فقال : إي والله ، وكيف لا أصدّق به إن كان في الظهور مثل ما حكيته لي.
فقلت : الآن أتوسم فيك شمائل الكياسة. وقد صدق رجائي في تقويمك وتفهيمك حقيقة مذهبك في تعليمك فأكشف لك عن الموازين الخمسة. المنزلة في القرآن لتستغني به عن كل إمام وتجاوز حد العميان فيكون إمامك المصطفى صلىاللهعليهوسلم ، وقائدك القرآن ، ومعيارك المشاهد والعيان. فاعلم أن موازين القرآن في الأصل ثلاثة : ميزان التعادل ، وميزان التلازم ، وميزان التعاند. لكن ميزان التعادل ينقسم إلى ثلاثة أقسام : إلى الأكبر ، والأوسط ، والأصغر ، فيصير الجميع خمسة.
القول في الميزان الأكبر من موازين التعادل
ثم ، قال لي هذا الرفيق الكيّس من رفقاء أهل التعليم : اشرح لي الميزان الأكبر من موازين التعادل أوّلا واشرح لي معنى هذه الألقاب وهي التعادل والتلازم والتعاند ، والأكبر والأوسط والأصغر ، فإنها ألقاب عجيبة. ولا شكّ في أن تحتها معاني دقيقة.
فقلت : أما معنى هذه الألقاب فلا تفهمها إلا بعد شرحها وفهم معانيها لتدرك بعد ذلك مناسبة ألقابها لحقائقها. وأعلمك أوّلا أنّ هذا الميزان يشبه الميزان الذي حكيته في المعنى دون الصور فإنه ميزان روحاني فلا يساوي الجسماني ، ومن أين يلزم أن يساويه والموازين الجسمانية أيضا تختلف ، فإن القلسطون ميزان ، والطيار ميزان ، بل الاصطرلاب ميزان لمقادير حركات الفلك ، والمسطرة ميزان لمقادير الأبعاد في الخطوط ، والشاقول ميزان لتحقيق الاستقامة والانحناء. وهي وإن اختلفت صورها مشتركة في أنها تعرف بها الزيادة والنقصان. بل العروض ميزان الشعر يعرف به أوزان الشعر ليتميز منزحفه عن مستقيمه وهو أشدّ روحانية من الموازين المجسمة ، ولكنه غير متجرد عن علائق الأجسام لأنه ميزان الأصوات ولا ينفصل الصوت عن الجسم. وأشدّ الموازين روحانية ميزان يوم القيامة إذ به توزن أعمال العباد وعقائدهم ومعارفهم ، والمعرفة والإيمان لا تعلق لهما بالأجسام ، ولذلك كان ميزانهما روحانيّا صرفا ، وكذلك ميزان القرآن للمعرفة روحاني ، لكن يرتبط تعريفه في عالم الشهادة بغلاف لذلك الغلاف التصاق بالأجسام وإن لم يكن جسما فإن تعريف الغير في هذا العالم لا يمكن إلا مشافهة وذلك بالأصوات. والصوت جسماني ، أو بالمكاتبة وهي الرقوم وهي أيضا نقش في وجه القرطاس وهو جسم. هذا حكم غلافه الذي يعرض فيه وإنما هو في نفسه روحاني محض لا علاقة له مع الأجسام إذ توزن به معرفة الله الخارجة عن عالم الأجسام المقدّس عن أن يناسب الجهات والأقطار فضلا عن نفس الأجسام ، ولكنه مع ذلك ذو عمود وكفتين ، والكفتان متعلقتان بالعمود فالعمود مشترك في الكفتين لارتباط كل واحدة منهما به هذا في ميزان التعادل ، وأما ميزان التلازم فهو بالقبان أشبه لأنه ذو كفة واحدة ولكن يقابلها من الجانب الآخر الرمانة وبها يظهر التفاوت والتقدير.
فقال : هذه طنطنة عظيمة فأين المعنى فإني أسمع جعجعة ولا رأى طحنا.
فقلت له : اصبر (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي