منه. إن كل جسم حيوان ولا يغرنك إمكان وصف كل حيوان بأنه جسم فإن وصف كل وصف بالآخر إذا لم يكن ضروريا في كل حال لم تكن المعرفة الحاصلة به ضرورية. ثم قال الرفيق : قد فهمت هذه الموازين الثلاثة ، ولكن لم خصصت الأول باسم الأكبر والثاني بالأوسط والثالث بالأصغر؟
قلت : لأن الأكبر هو الذي يتسع لأشياء كثيرة ، والأصغر خلافه ، والأوسط بينهما والميزان الأول أوسع الموازين إذ يمكن أن تستفاد منه المعرفة بالإثبات العام والإثبات الخاص والنفي العام والنفي الخاص ، فقد أمكن أن يوزن به أربعة أجناس من المعارف ، وأما الثاني فلا يمكن أن يوزن به إلا النفي ولكن يوزن به النفي العام والخاص جميعا. وأما الثالث فلا يوزن به إلّا الخاص كما ذكرت لك أنه يلزم منه أن بعض أحد الوصفين يوصف به الآخر لاجتماعهما على شيء واحد وما لا يتسع إلا للحكم الواحد الجزئي فهو أصغر لا محالة. نعم وزن الحكم العام به من موازين الشيطان وقد وزن به أهل التعليم بعض معارفهم وألقاه في أمنية الخليل صلوات الله عليه وسلامه في قوله : (هذا رَبِّي هذا أَكْبَرُ) [الأنعام : ٧٩]. وسأتلو عليك قصته بعد هذا إن شاء الله.
القول في ميزان التلازم
قال : فاشرح لي ميزان التلازم فقد فهمت الأقسام الثلاثة من موازين التعادل.
قلت : هذا الميزان مستفاد من قوله تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء: ٢٢]. ومن قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذاً لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً) [الإسراء : ٤٢]. ومن قوله تعالى : (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها) [الأنبياء : ٩٩]. وتحقيق صورة هذا أصل آخر ، فيلزم عنهما تقول : لو كان للعالم إلهان لفسد ، فهذا أصل. ومعلوم أنه لم يفسد وهذا أصل آخر ، فيلزم عنهما نتيجة ضرورية وهي نفي أحد الإلهين ، ولو كان مع ذي العرش آلهة لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا ، ومعلوم أنهم لم يبتغوا فيلزم نفي آلهة سوى ذي العرش ، وأما عيار هذا الميزان بالصنجة المعلومة قولك : إن كانت الشمس طالعة فالكواكب خفية. وهذا يعلم بالتجربة ، ثم نقول : ومعلوم أن الشمس طالعة وهذا يعلم بالحس فيلزم منه أن الكواكب خفية ، وتقول إن لم يأكل فلان فهو شبعان وهو يعلم بالتجربة ، ثم تقول ومعلوم أنه أكل وهذا يعلم بالحس فيلزم من الأصل التجريبي والأصل الحسي بالضرورة أنه غير شبعان ، وأما موضع استعماله في الغوامض فكثير حتى يقول الفقيه إن كان بيع الغائب صحيحا فيلزم بتصريح الإلزام ، ومعلوم أنه لا يلزم بتصريح الإلزام فيلزم منه أن ليس بصحيح ، ويعلم الأصل الأول بالاستقراء الشرعي المفيد للظن وإن لم يفد العلم ، والثاني بتسليم الخصم ومساعدته ونقول في النظريات إن كان صنعة العالم وتركيب الآدمي مرتبا عجيبا محكما فصانعه عالم وهذا في العقل أولى ، ومعلوم أنه عجيب مرتب وهذا مدرك بالعيان فيلزم منه أن صانعه عالم ، ثم نترقى. فنقول : إن كان صانعه عالما فهو حي ومعلوم بالميزان الأول أنه عالم فيلزم منه أنه حي ، ثم نقول إن كان حيا عالما فهو قائم بنفسه وليس بعرض ، ومعلوم