باب الطهارة
وإذا تطهرت ففكر في صفوة الماء ورقته وتطهيره وتنظيفه ، فإن الله تعالى جعله مباركا فقال: (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً) [ق : ٩]. فاستعمله في الأعضاء التي فرض الله عليك تطهيرها ولتكن صفوتك مع الله كصفوة الماء ، فاغسل وجه قلبك عن النظر إلى غير الله ، واغسل يدك عن الامتداد إلى غيره وامسح رأسك عن الافتخار بغيره ، واغسل رجليك عن السعي لغيره ، واحمد الله على ما ألهمك من دينه.
باب الخروج
فإذا خرجت من منزلك إلى مسجدك ، فاعلم أن لله تعالى حقوقا عليك يلزمك أداؤها. من ذلك السكينة والوقار والاعتبار بخلق الله برهم وفاجرهم ، قال الله تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ). وغض بصرك عن نظر الغفلة والشهوة ، وأفش السلام مبتدئا ومجيبا ، وأعن من استعانك على الحقّ وأمر بالمعروف وانه عن المنكر إن كنت من أهله وأرشد الضال.
باب دخول المسجد
فإذا بلغت باب المسجد فاعلم أنك قصدت بيت ملك عظيم قدره لا يقبل إلا الطاهر ولا يصعد إليه إلا الخالص ، ففكر في نفسك من أنت ولمن أنت وأين أنت ومن أي ديوان يخرج اسمك ، فإذا استصلحت نفسك لخدمته فادخل فلك الإذن والأمان ، وإلا فقف وقوف مضطرب قد انقطعت عنه الحيل وانسدّت عنه السبل ، فإذا علم الله من قلبك الالتجاء إليه أذن لك فتكون أنت بلا أنت ، والله يرحم عبده ويكرم ضيفه ويعطي سائله ويبر المعرض عنه ، فكيف المقبل إليه.
باب افتتاح الصلوات
فإذا استقبلت بوجهك القبلة استقبل بوجهك الحقّ ولا تنبسط فلست من أهل الانبساط ، واذكر وقوفك بين يديه يوم العرض الأكبر ، وقف على قدمي الخوف والرجاء ، وارفع قلبك عن النظر إلى الدنيا والخلق ، وأرسل همتك إليه فإنه لا يرد الآبق ولا يخيب السائل. فإذا قلت الله أكبر فاعلم أنه لا يحتاج إلى خدمتك له وذكرك إياه لأن الحاجة من جبلة الفقراء وذلك سمة الخلق والغنى عن صفات ذاته ، وإنما وظف على عبيده وظائف ليقربهم بها إلى عفوه ورحمته ويبعدهم بها من سخطه وعقوبته. قال الله عزوجل : (وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها) [الفتح : ٢٦]. وقال عزّ من قائل : (وَلكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ٧]. الآية. واشكر الله إذ جعلك أهلا للوقوف بين يديه فإنه (أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) [المدثر : ٥٦]. أهل أن يتقيه خلقه فيغفر لمن اتّقاه.