لو كان يصلّي باللّيل" وقال عليهالسلام لرجل من أصحابه : " يا فلان لا تكثر النوم بالليل ، فإنّ كثرة النوم بالليل يدع صاحبه فقيرا يوم القيامة".
أيها الولد : ومن الليل فتهجد به : أمر ، وبالأسحار هم يستغفرون شكر ، والمستغفرون بالأسحار ذكر ، قال عليهالسلام : " ثلاثة أصوات يحبّها الله تعالى : صوت الدّيك ، وصوت الّذي يقرأ القرآن ، وصوت المستغفرين بالأسحار". قال سفيان الثوري ، رحمة الله تعالى عليه : إن الله تبارك وتعالى خلق ريحا بالأسحار تحمل الأذكار والاستغفار إلى الملك الجبار ، وقال أيضا : إذا كان أوّل الليل ينادي مناد من تحت العرش : ألا ليقم العابدون فيقومون ويصلون ما شاء الله ، ثم ينادي مناد في شطر الليل : ألا ليقم القانتون ، فيقومون ويصلون إلى السحر ، فإذا كان السحر نادى مناد : ألا ليقم المستغفرون ، فيقومون ويستغفرون ، فإذا طلع الفجر نادى مناد : ألا ليقم الغافلون فيقومون من فروشهم كالموتى نشروا من قبورهم.
أيها الولد : روي في وصايا لقمان الحكيم لابنه أنه قال : يا بني لا يكونن الديك أكيس منك ينادي بالأسحار وأنت نائم ، ولقد أحسن من قال شعرا :
لقد هتفت في جنح ليل حمامة |
|
على فنن وهنا وإنّي لنائم |
كذبت وبيت الله لو كنت عاشقا |
|
لما سبقتني بالبكاء الحمائم |
وأزعم أنّي هائم ذو صبابة |
|
لربي فلا أبكي ، وتبكي البهائم |
أيها الولد : خلاصة العلم أن تعلم أن الطاعة والعبادة ما هي.
اعلم : أن الطّاعة والعبادة متابعة الشارع في الأوامر والنواهي ، بالقول والفعل. يعني كل ما تقول وتفعل وتترك ويكون باقتداء الشرع ، كما لو صمت يوم العيد وأيام التشريق تكون عاصيا ، أو صلّيت في ثوب مغصوب وإن كانت صورة عبادة تأثم.
أيها الولد : ينبغي لك أن يكون قولك وفعلك موافقا للشرع إذ العلم والعمل بلا اقتداء الشرع ضلالة ، وينبغي لك أن لا تغتر بالشطح وطامات الصوفية لأن سلوك هذا الطريق يكون بالمجاهدة وقطع شهوة النفس وقتل هواها بسيف الرياضة لا بالطامات والترهات.
واعلم ، أن اللسان المطلق والقلب المطبق المملوء بالغفلة والشهوة علامة الشقاوة ، حتى لا تقتل النفس بصدق المجاهدة لن يحيي قلبك بأنوار المعرفة.
واعلم ، بأن بعض مسائلك التي سألتني عنها لا يستقيم جوابها بالكتابة والقول إن لم تبلغ تلك الحالة تعرف ما هي ، وإلا فعلمها من المستحيلات لأنها ذوقية ، وكل ما يكون ذوقيا لا يستقيم وصفه بالقول كحلاوة الحلو ومرارة المر لا يعرف إلا بالذوق. كما حكي أن عنينا كتب إلى صاحب له أن عرفني لذة المجامعة كيف تكون ، فكتب له في جوابه : يا فلان إني كنت حسبتك عنينا فقط. الآن عرفت أنك عنين وأحمق. لأن هذه اللذة ذوقية إن تصل إليها تعرف ، وإلا لا يستقيم وصفها بالقول والكتابة.