يعرفك مقدار ضرب المثال لأن الرؤيا جزء من النبوة. أما ترى أن الشمس في الرؤيا تعبيرها السلطان لما بينهما من المشاركة والمماثلة في معنى روحاني ، وهو الاستعلاء على الكافة مع فيضان الآثار والأنوار على الجميع ، والقمر تعبيره الوزير لإفاضة الشمس نورها بواسطة القمر على العالم عند غيبتها ، كما يفيض السلطان آثاره بواسطة الوزير على من يغيب عن حضرة السلطان ، وأن من يرى أن في يده خاتما يختم به أفواه الرجال وفروج النساء فإنه يعبر له أنه يؤذن قبل الصبح في رمضان ، ومن رأى أنه يصب الزيت في الزيتون تعبيره أن تحته جارية هي أمه وهو لا يعرفها فاستقصاء أبواب التعبير في أمثال هذا الجنس غير ممكن فلا يمكن الاشتغال بعدها ، بل أقول : كما أن في الموجودات العالية الروحانية ما مثاله الشمس والقمر والكواكب ، كذلك منها ما له أمثلة أخرى إذا اعتبرت معها أوصاف أخر سوى النورانية ، فإن كان في تلك الموجودات ما هو ثابت لا يتغير وعظيم لا يستصغر ومنه تتفجر إلى أودية القلوب البشرية مياه المعارف ونفائس المكاشفات فمثاله الطور ، وإن كانت الموجودات التي تتلقى تلك النفائس بعضها أولى من بعض فمثاله الوادي ، وإن كانت تلك النفائس بعد اتصالها بالقلوب البشرية تجري من قلب إلى قلب ، فهذه القلوب أيضا أودية ومفتتح الوادي قلوب الأنبياء والأولياء والعلماء ، ثم من بعدهم فإن كانت هذه الأودية دون الأول ومنها تغترف فبالحري أن يكون الأول هو الوادي الأيمن لكثرة يمنه وعلو درجته ، وإن كان الوادي الأول يتلقى من آخر درجات الوادي الأيمن فهو يغترف من شاطئ الوادي الأيمن دون لجته وميدانه ، وإن كان روح النبي سراجا منيرا. وكان ذلك الروح مقتبسا بواسطة وحي كما قال : (أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) [الشورى : ٥٢]. فما منه الاقتباس مثاله النار ، وإن كان المتلقون من الأنبياء بعضهم على محض التقليد لما يسمعه وبعضهم على حظ من البصيرة ، فمثال المقلد الغير المستبصر الجذوة والقبس والشهاب وصاحب الذوق مشارك للنبي في بعض الأحوال. ومثال تلك المشاركة الاصطلاء وإنما يصطلي بالنار من معه النار لا من سمع خبرها ، وإن كان أول منزل الأنبياء الترقي إلى العالم المقدس عن كدورة الحس والخيال ، فمثال ، ذلك المنزل الوادي المقدس ، وإن كان لا يمكن وطء ذلك الوادي المقدس إلا باطراح الكونين أعني الدنيا والآخرة والتوجه إلى الواحد الحق ، وكانت الدنيا والآخرة متقابلتين متحاذيتين وهما عارضان للجوهر النوراني البشري يمكن اطراحهما مرة والتلبس بهما أخرى ، فمثال اطراحهما عند الإحرام والتوجه إلى كعبة القدس خلع النعلين بل نترقى إلى الحضرة الربوبية مرة أخرى ، فنقول : وإن كان في تلك الحضرة شيء بواسطته ننتقش العلوم المفصلة في الجواهر القابلة فمثاله القلم. وإن كان في تلك الجواهر القابلة للتلقي ما انتقش بالعلوم فمثاله اللوح والكتاب (فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ) [الطور : ٣]. وإن كان فوق الناقش للعلوم شيء مسخر له فمثاله اليد ، وإن كان لهذه الحضرة المشتملة على اليد واللوح والقلم والكتاب ترتيب منظوم فمثاله الصورة ، وإن كان يوجد للصور الأنسية ترتيب منظوم على هذه الشاكلة فهي على صورة الرحمن ،