وفرق بين أن يقال على صورة الرحمن وبين أن يقال على صورة الله. إذ الرحمة الإلهية هي التي على صورة الحضرة الإلهية بهذه الصورة ، ثم أنعم على آدم فأعطاه صورة مختصرة جامعة لجميع أصناف ما في العالم حتى كأنه كل ما في العالم أو هو نسخة العالم مختصرة. وصور آدم أعني هذه الصورة مكتوبة بخط الله ، فهو الخط الإلهي الذي ليس برقم حروف إذ يتنزه خطه عن أن يكون رقما وحروفا ، كما يتنزه كلامه عن أن يكون صوتا وحروفا ، وقلمه عن أن يكون قصبا وحديدا ، ويده عن أن تكون لحما وعظما. ولو لا هذه الرحمة لعجز الآدمي عن معرفة ربه إذ لا يعرف ربه إلا من عرف نفسه ، فلما كان هذا من آثار الرحمة كان على صورة الرحمن لا على صورة الله ، فحضرة الإلهية غير حضرة الرحمن وغير حضرة الملك وغير حضرة الربوبية ، ولذلك أمر بالعياذ بجميع هذه الحضرات فقال : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ* إِلهِ النَّاسِ) [الناس : ١. ٢]. ولو لا هذا المعنى لكان قوله : إن الله خلق آدم على صورة الرحمن غير منظوم لفظا ، بل كان ينبغي أن يقول على صورته ، واللفظ الوارد في الصحيح على صورة الرحمن. ولأن تمييز حضرة الملك عن حضرة الربوبية يستدعي شرحا طويلا ، فلنتجاوز ويكفيك من الأنموذج هذا القدر فإنه بحر لا ساحل له فإن وجدت في نفسك نفورا عن هذه الأمثال فستأنس بقوله تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها) [الرعد : ١٧]. الآية. فإنه قد ورد في التفسير أن الماء هو المعرفة والأودية القلوب.
خاتمة واعتذار : لا تظنن من هذا الأنموذج وطريق ضرب الأمثال رخصة مني في رفع الظواهر واعتقادا في إبطالها حتى أقول مثلا : لم يكن مع موسى نعلان ولم يسمع الخطاب بقوله : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) [طه : ١٢]. حاشا لله فإن إبطال الظواهر رأي الباطنية الذين نظروا بالعين العوراء إلى أحد العالمين ، وجهلوا جهلا بالموازنة بينهما فلم يفهموا وجهه ، كما أن أبطال الأسرار مذهب الحشوية فالذي يجرد الظاهر حشوي ، والذي يجرد الباطن باطني والذي يجمع بينهما كامل ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : " للقرآن ظاهر وباطن وحد ومطلع". وربما نقل هذا عن علي موقفا عليه ، بل أقول موسى فهم من الأمر بخلع النعلين اطرح الكونين فامتثل الأمر ظاهرا بخلع نعليه وباطنا بخلع العالمين ، فهذا هو الاعتبار أي العبور من شيء إلى غيره ومن ظاهر إلى سر ، وفرق بين من يسمع قول رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : " لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب أو صورة" ، فيقتني الكلب في البيت ويقول ليس الظاهر مرادا بل المراد تخلية بيت القلب عن كلب الغضب ، لأنه يمنع المعرفة التي هي من أنوار الملائكة إذ الغضب غول العقل وبين من يمتثل الأمر بالظاهر ، ثم يقول ليس الكلب بصورته بل بمعناه وهو السبعية والضراوة ، وإذا كان حفظ البيت الذي هو مقر الشخص والبدن واجبا عليه أن يحفظ عن صورة الكلبية ، فلأن يجب حفظ بيت القلب وهو مقر الجوهر الحقيقي الخاص عن سر الكلبية كان أولى ، فإن من يجمع بين الظاهر والباطن جميعا فهذا هو الكامل ، وهو المعني بقولهم الكامل من لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ، وكذلك ترى الكامل لا يسمح لنفسه بترك حد من حدود الشرع