لا يمكن حكايتها ، وعلم ذلك إلا علما لا ريب فيه وكان ذلك كافيا في تعريفهم استحالة يد هي عضو مركب من لحم وعظم ، وكذا في سائر الظواهر لأنها لا تدل إلا على الجسمية وعوارضها لو أطلق على جسم ولو أطلق على غير الجسم على ضرورة أنه ما أريد به ظاهره بل معنى آخر مما يجوز على الله تعالى ربما يتعين ذلك المعنى وربما لا يتعين ، فهذا مما يزيل الإشكال.
فإن قيل : فلم لم يذكر بألفاظ ناصة عليها بحيث لا يوهم ظاهرها جهلا ولا في حق العامي والصبي؟
قلنا : لأنه إنما كلم الناس بلغة العرب ، وليس في لغة العرب ألفاظ ناصة على تلك المعاني ، فكيف يكون في اللغة لها نصوص وواضع اللغة لم يفهم تلك المعاني ، فكيف وضع لها النصوص بل هي معان أدركت بنور النبوة خاصة أو بنور العقل بعد طول البحث ، وذلك أيضا في بعض تلك الأمور لا في كلها ، فلما لم يكن لها عبارات موضوعة كان استعارة الألفاظ من موضوعات اللغة ضرورة كل ناطق بتلك اللغة ، كما أنا لا نستغني عن أن نقول صورة هذه المسألة كذا وهي تخالف صورة المسألة الأخرى ، وهي مستعارة من الصور الجسمانية ، لكن واضع اللغة لما لم يضع لهيئة المسألة وخصوص ترتيبها اسما نصا إما لأنه لم يفهم المسألة أو فهم ، لكن لم تحضره أو حضرته لكن لم يضع لها نصا خاصا اعتمادا على إمكان الاستعارة أو لأنه علم أنه عاجز عن أن يضع لكل معنى لفظا خاصا ناصا ، لأن المعاني غير متناهية العدد والموضوعات بالقطع يجب أن تناهى فتبقى معان لها يجب أن يستعار اسمها من الموضع ، فاكتفى بوضع البعض وسائر اللغات أشد قصورا من لغة العرب ، فهذا وأمثاله من الضرورة يدعو إلى الاستعارة لمن يتكلم بلغة قوم إذ لا يمكنه أن يخرج عن لغتهم. كيف ، ونحن نجوز الاستعارة حيث لا ضرورة اعتمادا على القرائن ، فإنا لا نفرق بين أن يقول القائل : جلس زيد فوق عمرو ، وبين أن يقول جلس أقرب منه إلى الصدر ، وأن بغداد في ولاية الخليفة أو في يده إذا كان الكلام مع العقلاء ، وليس في الإمكان حفظ الألفاظ عن إفهام الصبيان والجهال ، فالاشتغال بالاحتراز عن ذلك ركاكة في الكلام وسخافة في العقل وثقل في اللفظ.
فإن قيل : فلم لم يكشف الغطاء عن المراد بإطلاق لفظ الإله ولم يقل إنه موجود ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا هو داخل العالم ولا خارجه ولا متصل ولا منفصل ولا هو في مكان ولا هو في جهة ، بل الجهات كلها خالية عنه ، فهذا هو الحق عند قوم ، والإفصاح عنه كذلك ، كما أفصح عنه المتكلمون ممكن ولم يكن في عبارته صلىاللهعليهوسلم قصور ، ولا في رغبته في كشفه الحق فتور ، ولا في معرفته نقصان؟
قلنا : من رأى هذا الحق اعتذر بأن هذا لو ذكره لنفر الناس عن قبوله ، ولبادروا بالإنكار وقالوا : هذا عين المحال ووقعوا في التعطيل ولا خير في المبالغة في تنزيه ينتج التعطيل في حق الكافة إلا الأقلين ، وقد بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم داعيا للخلق إلى سعادة الآخرة رحمة للعالمين. كيف ينطق بما فيه هلاك الأكثرين ، بل أمر أن لا يكلم الناس إلا على قدر عقولهم ،