وقال صلىاللهعليهوسلم : " من حدّث النّاس بحديث لا يفهمونه كان فتنة على بعضهم". أو لفظ هذا معناه.
فإن قيل : إن كان في المبالغة في التنزيه خوف التعطيل بالإضافة إلى البعض ففي استعماله الألفاظ الموهمة خوف التشبيه بالإضافة إلى البعض.
قلنا : بينهما فرق من وجهين.
أحدهما : أن ذلك يدعو إلى التعطيل في حق الأكثرين ، وهذا يعود إلى التشبيه في حق الأقلين ، وأهون الضررين أولى بالاحتمال ، وأعلم الضررين أولى بالاجتناب.
والثاني : أن علاج وهم التشبيه أسهل من علاج التعطيل. إذ يكفي أن يقال مع هذه الظواهر : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١]. وأنه ليس بجسم ولا مثل الأجسام. وأما إثبات موجود في الاعتقاد على ما ذكرناه من المبالغة في التنزيه شديدا جدا ، بل لا يقبله واحد من الألف لا سيما الأمة العربية.
فإن قيل : فعجز الناس عن الفهم هل يمهد عذر الأنبياء في أن يثبتوا في عقائدهم أمورا على خلاف ما هي عليها ليثبت في اعتقادهم أصل الإلهية حتى توهموا عندهم مثلا أن الله مستقر على العرش وأنه في السماء وأنه فوقهم فوقية المكان؟
قلنا : معاذ الله أن نظن ذلك أو يتوهم بنبي صادق أن يصف الله بغير ما هو متصف به ، وأن يلقى ذلك في اعتقاد الخلق ، فإنما تأثير قصور في استعمال الألفاظ مستعارة ربما يغلط الأغبياء في فهمهما ، وذلك لقصور اللغات وضرورة الخلق في أن يذكر لهم ما يطيقون فهمه وما لا يفهمونه. فكيف عنه علاج عجز الخلق وقصورهم ولا ضرورة في تفهيمهم خلاف الحق قصدا لا سيما في صفات الله. نعم ، به ضرورة في استعمال الألفاظ مستعارة ربما يغلط الأغبياء في فهمها ، وذلك لقصور اللغات وضرورة المحاورات. فأما تفهيمهم خلاف الحق قصدا إلى التجهيل فمحال ، سواء فرض فيه مصلحة أو لم تفرض.
فإن قيل : قد جهل أهل التشبيه جهلا يستند إلى ألفاظه في الظواهر تفضي إلى جهلهم ، فمهما جاء بلفظ مجمل ملبس فرضي به لم يفترق الحال بين أن يكون مجرد قصده إلى التجهيل ، وبين أن يقصد التجهيل مهما حصل التجهيل ، وهو عالم به وراض.
قلنا : لا نسلم أن جهل أهل التشبيه حصل بألفاظه ، بل بتقصيرهم في كسب معرفة التقديس وتقديمه على النظر في الألفاظ ، ولو حصلوا تلك المعرفة أولا وقدموها لما جهلوها ، كما أن من حصل علم التقديس لم يجهل عند سماعه صورة المسألة ، وإنما الواجب عليهم تحصيل هذا العلم ، ثم مراجعة العلماء إذا شكوا في ذلك ، ثم كف النفس عن التأويل وإلزامها التقديس. وإذا رسم لهم العلماء ، فإذا لم يفعلوا جهلوا وعلم الشارع بأن الناس طباعهم الكسل والتقصير والفضول بالخوض فيما ليس من شأنهم ليس رضا بذلك ولا سعيا في تحصيل الجهل ، لكنه