رضا بقضاء الله وقدره في قسمته حيث قال : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) [هود : ١١٩]. وقال : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) [هود : ١١٨]. (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [يونس : ٩٩]. (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) [يونس : ١٠٠]. (وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ* إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود : ١١٨ و ١١٩]. فهذا هو القهر الإلهي في فطرة الخلق ولا قدرة للأنبياء في تغيير سنته التي لا تبديل لها.
فصل في جواب مالك رضي الله عنه :
لعلك تقول الكف عن السؤال والإمساك عن الجواب من أين يغني ، وقد شارع في البلاد هذه الاختلافات وظهرت التعصبات ، فكيف سبيل الجواب إذا سئل عن هذه المسائل؟
قلنا : الجواب ما قاله مالك رضي الله عنه في الاستواء إذ قال : الاستواء معلوم الحديث فيذكر هذا الجواب في كل مسألة سئل عنها العوام لينحسم سبيل الفتنة.
فإن قيل : فإذا سئل عن الفوق واليد والأصبع فبم يجيب.
قلنا : الجواب أن يقال فيه ما قاله الرسول صلىاللهعليهوسلم. وقال الله تعالى وقد صدق حيث قال : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥]. فيعلم قطعا أنه ما أراد الجلوس والاستقرار الذي هو صفة الأجسام ، ولا ندري ما الذي أراده ولم نكلف معرفته وصدق حيث قال : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) [الأنعام: ١٨]. وفوقية المكان محال ، فإنه كان قبل المكان فهو الآن كما كان ، وما أراد فلسنا نعرفه وليس علينا ولا عليك أيها السائل معرفته فكذلك نقول ولا يجوز إثبات اليد والأصبع مطلقا ، بل يجوز النطق بما نطق به رسول الله صلىاللهعليهوسلم على الوجه الذي نطق به من غير زيادة ونقصان وجمع وتفريق وتأويل وتفصيل كما سبق ، فنقول صدق حيث قال : " خمّر طينة آدم بيده" وحيث قال : " قلب المؤمن بين إصبع من أصابع الرحمن" فنؤمن بذلك ولا نزيد ولا ننقص ، وننقله كما روي ونقطع بنفي العضو المركب من اللحم والعصب ، وإذا قيل : القرآن قديم أو مخلوق؟ قلنا : هو غير مخلوق لقوله صلىاللهعليهوسلم : " القرآن كلام الله غير مخلوق". فإن قال : الحروف قديمة أو لا؟ قلنا : الجواب في هذه المسألة لم يذكرها الصحابة ، فالخوض فيها بدعة فلا تسألوا عنها ، فإن ابتلي الإنسان بهم في بلدة غلبت فيها الحشوية وكفروا من لا يقول بقدم الحروف ، فيقول المضطر إلى الجواب : إن عنيت بالحروف نفس القرآن فالقرآن قديم ، وإن أردت بها غير القرآن وصفات الله تعالى فما سوى الله وصفاته محدث ولا يزيد عليه ، لأن تفهيم العوام حقيقة هذه المسألة عسرة جدا ، فإن قالوا : قد قال النبي صلىاللهعليهوسلم : " من قرأ حرفا من القرآن فله كذا" ، فأثبت الحروف للقرآن ووصف القرآن بأنه غير مخلوق ، فلزم منه أن الحروف قديمة. قلنا : لا نزيد على ما قاله الرسولصلىاللهعليهوسلم ، وهو أن القرآن غير مخلوق وهذه