عباده إلا ذلك وذلك معلوم على القطع بجملة أخبار متواترة من رسول الله صلىاللهعليهوسلم في موارد الأعراب عليه وعرضه الإيمان عليهم وقبولهم ذلك وانصرافهم إلى رعاية الإبل والمواشي من غير تكليفه إياهم التفكر في المعجزة ، ووجه دلالته والتفكر في حدوث العالم وإثبات الصانع. وفي أدلة الوحدانية وسائر الصفات ، بل الأكثر من أجلاف العرب لو كلفوا ذلك لم يفهموه ولم يدركوه بعد طول المدة. بل كان الواحد منه يحلفه ويقول : الله أرسلك رسولا. فيقول : والله الله أرسلني رسولا وكان يصدقه بيمينه وينصرف ، ويقول الآخر إذا قدم عليه ونظر إليه : والله ما هذا وجه كذاب ، وأمثال ذلك مما لا يحصى ، بل كل يسلم في غزوة واحدة في عصره وعصر أصحابه آلاف لا يفهم الأكثرون منهم أدلة الكلام ، ومن كان يفهمه يحتاج إلى أن يترك صناعته ويختلف إلى مسلم مدة مديدة ولم ينقل قط شيء من ذلك ، فعلم علما ضروريا أن الله تعالى لم يكلف الخلق إلّا الإيمان والتصديق الجازم بما قاله كيفما حصل التصديق.
نعم ، لا ينكر أن للعارف درجة على المقلد ، ولكن المقلد في الحق مؤمن كما أن العارف مؤمن.
فإن قلت : فبم يميز المقلد بين نفسه وبين اليهود والمقلد؟
قلنا : المقلد لا يعرف التقليد ولا يعرف أنه مقلد ، بل يعتقد في نفسه أنه محق عارف ولا يشك في معتقده ولا يحتاج مع نفسه إلى التمييز لقطعه بأن خصمه مبطل وهو محق ، ولعله أيضا يستظهر بقرائن وأدلة ظاهرة وإن كانت غير قوية يرى نفسه مخصوصا بها ومميزا بسببها عن خصومه ، فإن كان اليهودي يعتقد في نفسه مثل ذلك فلا يشوش ذلك على المحق اعتقاده ، كما أن العارف الناظر يزعم أنه يميز نفسه عن اليهودي بالدليل ، واليهودي المتكلم الناظر أيضا يزعم أنه مميز عنه بالدليل ودعواه ذلك لا يشكك الناظر العارف ، وكذلك لا يشكك المقلد القاطع ويكفيه في الإيمان أن لا يشككه في اعتقاده معارضة المبطل كلامه بكلامه ، فهل رأيت عاميا فقط قد اغتم وحزن من حيث يعسر عليه الفرق بين تقليد اليهودي ، بل لا يخطر ذلك ببال العوام ، وإن خطر ببالهم وشوفهوا به ضحكوا من قائله وقالوا : ما هذا الهذيان وكان به بين الحق والباطل مساواة حتى يحتاج إلى فرق فارق تبيينا أنه على الباطل ، وإني على الحق ، وأنا متيقن لذلك غير شاكّ فيه. فكيف أطلب الفرق حيث يكون الفرق معلوما قطعا من غير طلب ، فهذه حالة المقلدين الموقنين وهذا إشكال لا يقع لليهودي المبطل لقطعه مذهبه مع نفسه ، فكيف للمسلم المقلد الذي وافق اعتقاده ما هو الحق عند الله تعالى ، فظهر بهذا على القطع للمسلك المقلد الذي وافق اعتقاده ما هو الحق عند الله تعالى ، فظهر بهذا على القطع أن اعتقاداتهم جازمة ، وأن الشرع لم يكلفهم إلا ذلك.
فإن قيل : فإن فرضنا عاميا مجادلا لجوجا ليس يقلد وليس يقنعه أدلة القرآن ولا الأقاويل الجليلة المفرقة السابقة إلى الأفهام فما ذا تصنع به؟
قلنا : هذا مريض مال طبعه عن صحة الفطرة وسلامة الخلقة الأصلية فينظر في شمائله فإن وجدنا اللجاج والجدل غالبا على طبعه لم نجادله ، وطهرنا وجه الأرض عنه إن كان بجاحدنا