فقيل له : هل هو في جهة؟
فقال له : هو منزه عن الحلو في المحال والاتصال بالأجسام والاختصاص بالجهات ، فإن كل ذلك صفات الأجسام وأعراضها والروح ليس بجسم ولا عرض في جسم ، بل هو مقدس عن هذه العوارض.
فقيل له : لم منع الرسول عن صلىاللهعليهوسلم إفشاء هذا السر وكشف حقيقة الروح بقوله تعالى : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥].
فقال : لأن الأفهام لا تحتمله لأن الناس قسمان عوام وخواص. أما من غلب على طبعه العامية فهذا لا يقبله ولا يصدقه في صفات الله تعالى فكيف يصدقه في حق الروح الإنسانية ، ولهذا أنكرت الكرامية والحنبلية ومن كانت العامية أغلب عليه ذلك وجعلوا الإله جسما إذ لم يعقلوا موجودا إلا جسما مشارا إليه ، ومن ترقى عن العامية قليلا نفى الجسمية وما أطاق أن ينفي عوارض الجسمية فأثبت الجهة وقد ترقى عن هذه العامية الأشعرية والمعتزلة ، فأثبتوا موجودا لا في جهة.
فقيل له : ولم لا يجوز كشف هذا السر مع هؤلاء؟
فقال : لأنهم أحالوا أن تكون هذه الصفات لغير الله تعالى ، فإذا ذكرت هذا لبعضهم كفروك وقالوا إنك تصف نفسك بما هو صفة الإله على الخصوص ، فكأنك تدعي الإلهية لنفسك.
فقيل له : فلم أحالوا أن تكون هذه الصفة لله ولغير الله تعالى أيضا؟
فقال : لأنهم قالوا كما يستحيل في ذوات المكان أن يجتمع اثنان في مكان واحد يستحيل أيضا أن يجتمع اثنان لا في مكان ، لأنه إنما استحال اجتماع جسمين في مكان واحد ، لأنه لو اجتمعا لم يتميز أحدهما عن الآخر ، فكذلك لو وجد اثنان كل واحد منهما ليس في مكان. فبم يحصل التمييز والعرفان؟ ولهذا أيضا قالوا : لا يجتمع سوادان في محل واحد حتى قيل المثلان يتضادان.
فقيل : هذا إشكال قوي فما جوابه؟
قال : جوابه أنهم أخطؤوا حيث ظنوا أن التمييز لا يحصل بالمكان بل يحصل التميز بثلاثة أمور : أحدها بالمكان كجسمين في مكانين ، والثاني بالزمان كسوادين في جوهر واحد في زمانين ، والثالث بالحد والحقيقة كالأعراض المختلفة في محل واحد مثل اللون والطعم والبرودة والرطوبة في جسم واحد ، فإن المحل واحد والزمان واحد ، ولكن هذه معان مختلفة الذوات بحدودها وحقائقها ، فيتميز اللون عن الطعم بذاته لا بمكان وزمان ويتميز العلم عن القدرة والإرادة بذاته وإن كان الجميع شيئا واحدا ، فإذا تصور أعراض مختلفة الحقائق فبأن يتصور أشياء مختلفة الحقائق بذواتها في غير مكان أولى.
فصل
فقيل : هنا دليل آخر على إحالة ما ذكرتموه أظهر من طالب التفرقة وهو أن هذا تشبيه