وإثبات لأخص وصف الله تعالى في حق الروح.
فقال : هيهات ، فإن قولنا الإنسان حي عالم قادر سميع بصير متكلم وإنه تعالى كذلك ليس فيه تشبيه لأنه ليس ذلك أخص الوصف ، فكذلك البراءة عن المكان والجهة ليس أخص وصف الإله ، بل أخص وصفه أنه قيوم أي هو قائم بذاته ، وكل ما سواه قائم به ، وأنه موجود بذاته لا بغيره فكل ما سواه موجود به لا بذاته ، بل ليس للأشياء من ذواتها إلا العدم ، وإنما لها الوجود من غيرها على سبيل العارية ، والوجود لله تعالى ذاتي ليس بمستعار ، هذه الحقيقة أعني القيومية ليست إلا الله تعالى.
فقيل له : ذكرت معنى التسوية والنفخ والروح ولم تذكر معنى النسبة في الروح ، وأنه لم قال من روحي ولم نسبه إلى نفسه ، فإن كان لأن وجوده به فجميع الأشياء أيضا كذلك وقد نسب البشر إلى الطين ، فقال : (إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ) [ص : ٧١]. ثم قال : (فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [ص : ٧٢]. وإن كان معناه أنه جزء من الله تعالى فاض على القلب كما يفيض المال على السائل ، فيقول : أفضت عليه من مالي فهذه تجزئة لذات الله ، وقد أبطلتم هذا وذكرتم أن إفاضته ليست بمعنى انفصال جزء منه.
فقال : هذا كقول الشمس لو نطقت وقالت : أفضت على الأرض من نوري ، فيكون صدقا ويكون معنى النسبة أن النور الحاصل من جنس نور الشمس بوجه من الوجوه ، وإن كان في غاية الضعف بالإضافة إلى نور الشمس ، وقد عرفت أن الروح منزه عن الجهة والمكان وفي قوته العلم بجميع الأشياء والاطلاع عليها ، وهذه مضاهاة ومناسبة فلذلك خص بالإضافة وهذه المضاهاة ليست للجسمانيات أصلا.
فقيل له : ما معنى قوله تعالى : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء : ٨٥]. وما معنى عالم الأمر وعالم الخلق؟
فقال : كل ما يقع عليه مساحة وتقدير وهو عالم الأجسام وعوارضها يقال إنه من عالم الخلق ، والخلق هنا بمعنى التقدير لا بمعنى الإيجاد والإحداث ، يقال : خلق الشيء أي قدره قال الشاعر :
ولأنت تفري ما خلقت وبع |
|
ض القوم يخلق ثم لا يفري |
أي تقدر ثم تقطع الأديم وما لا كمية له ولا تقدير ، فيقال : إنه أمر رباني وذلك للمضاهاة التي ذكرناها وكل ما هو من هذا الجنس من أرواح البشر وأرواح الملائكة يقال إنه من عالم الأمر ، فعالم الأمر عبارة عن الموجودات الخارجة عن الحس والخيال والجهة والمكان والتحيز ، وهو ما لا يدخل تحت المساحة والتقدير لانتفاء الكمية عنه.
فقيل له : أتتوهم أن الروح ليس مخلوقا وإن كان كذلك فهو قديم؟
فقال : قد توهم هذا جماعة وهو جهل ، بل نقول : إن الروح غير مخلوق بمعنى إنه غير