بِاللهِ) (١) وقال : (رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) (٢) وقال : (سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ) (٣) وقال : (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) (٤) وقال : (قاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ) (٥) وفي جميع ذلك مع ما يشبهه من الآيات في كتاب الله ـ عزوجل ـ دلالة ظاهرة على أن هذه الأفعال صادرة من جهة الله تعالى خلقا ومن جهة العباد كسبا وقال : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) (٦) وقال : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) (٧) وقال : (أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) (٨) فسلب عنهم فعل القتل والرمي والزرع مع مباشرتهم إياه / وأثبته لنفسه ليدل بذلك على أن المعنى المؤثر في الوجود بعد العدم هو إيجاده واختراعه ، وخلقه وتقديره ، وإنّما وجد من عباده مباشرة تلك الأفعال بقدرة حادثة أحدثها خالقه على ما أراد ، فهو من الله سبحانه وتعالى خلق على معنى أنه هو الذي اخترعه بقدرته القديمة ، وهو من عباده كسب على معنى تعلق قدرة حادثة بمباشرتهم التي هي أكسابهم (٩).
__________________
(١) سورة النحل ، الآية رقم (١٢٧).
(٢) سورة البقرة ، الآية رقم (٢٥٠).
(٣) سورة آل عمران ، الآية رقم (١٥١).
(٤) سورة الأحزاب ، الآية رقم (٢١).
(٥) سورة التوبة ، الآية رقم (١٤).
(٦) سورة الأنفال ، الآية رقم (١٧). قال ابن قيم الجوزية ـ رحمهالله تعالى ـ وقد ظن طائفة من الناس أن من هذا الباب قوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) وجعلوا ذلك من أدلتهم على القدرية ، ولم يفهموا مراد الآية ، وليست من هذا الباب ، فإن هذا خطاب لهم في وقعة بدر حيث أنزل الله سبحانه ملائكته فقتلوا أعداءه ، فلم يفرد المسلمون بقتلهم بل قتلتهم الملائكة ، وأمّا رميه صلىاللهعليهوسلم فمقدوره كان هو الحذف والإلقاء ، وأما إيصال ما رمى به إلى وجوه العدو مع البعد وإيصال ذلك إلى وجوه جميعهم فلم يكن من فعله ، ولكنّه فعل الله وحده ، فالرمي يراد به الحذف والإيصال ، فأثبت له الحذف بقوله : (إِذْ رَمَيْتَ) ونفى عنه الإيصال بقوله : (وَما رَمَيْتَ). «شفاء العليل» (ص ١٦٩) ، وانظر : «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٨).
(٧) سورة الأنفال ، الآية رقم (١٧).
(٨) سورة الواقعة ، الآية رقم (٦٤).
(٩) انظر : مبحث عقيدة المصنّف.