تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) : «فسلب عنهم فعل القتل والرمي والزرع مع مباشرتهم إياه وأثبته لنفسه ليدل بذلك على أن المعنى المؤثر في الوجود بعد العدم هو إيجاده واختراعه ، وخلقه وتقديره ، وإنّما وجد من عباده مباشرة تلك الأفعال بقدرته حادثة أحدثها خالقه على ما أراد فهو من الله سبحانه وتعالى خلق على معنى أنه هو الذي اخترعه بقدرته القديمة ، وهو من عباده كسب على معنى تعلق قدرة حادثة بمباشرتهم التي هي إكسابهم» (١).
وإذا عرفنا أن تلك القدرة الحادثة التي يذكرونها لا تأثير لها عندهم بوجه البتة عرفنا دقة وصف العلّامة ابن قيم الجوزية لهذا «الكسب» الذي ابتدعوه حين قال : «إنه لفظ لا معنى له ، ولا حاصل تحته» (٢). بل هو من محالات العقول ، إذ إن إثبات قدرة لا أثر لها بوجه كنفي القدرة أصلا وهو ما اعترف به عدد من محققي المذهب الأشعري أنفسهم كالإيجي والجويني والرازي وغيرهم (٣).
ولذا قيل : ثلاثة أشياء لا حقيقة لها : طفرة النّظّام ، وأحوال أبي هاشم ، وكسب الأشعري (٤).
قال شيخ الإسلام ـ ابن تيمية ـ رحمهالله تعالى : «وكثير من المتأخرين من المثبتين للقدر من أهل الكلام ومن وافقهم سلكوا مسلك جهم في كثير من مسائل هذا الباب ، وإن خالفوه في ذلك إما نزاعا لفظيا ، وإما نزاعا لا يعقل ، وإما نزاعا معنويا ، وذلك كقول من زعم أن العبد كاسب ليس بفاعل حقيقة ، وجعل الكسب مقدورا للعبد ، وأثبت له قدرة لا تأثير لها في المقدور ، ولهذا قال جمهور العقلاء : إن هذا الكلام متناقض غير معقول ، فإن القدرة إذا لم يكن
__________________
(١) (ص ١٦٨) من هذا الكتاب ، و «الاعتقاد» (ص ٦٠ ، ٦١).
(٢) «شفاء العليل» (ص ٣١٣).
(٣) العلم الشامخ : (ص ٢٦٤).
(٤) «مجموع الفتاوى» (٢٨ / ١٢٨).