المبحث السادس
عقيدته :
ليس من شك عند أيّ باحث اطلع على ما كتبه البيهقيّ في مصنفاته ـ وبخاصة تلك المتعلقة بالجانب العقديّ ـ أن البيهقيّ لم يكن أشعريّ العقيدة فحسب ، بل كان أحد أهم الدعاة إلى المذهب الأشعري ، والمنافحين عنه.
وحيث قام بعض الباحثين بعمل دراسات مفصلة للجانب العقديّ عند البيهقيّ (١) ، فقد آثرت الاقتصار هنا على بحث موضوع الكتاب «القضاء والقدر» وعقيدة البيهقيّ في هذا الباب المهم من أبواب الاعتقاد.
فالبيهقي في باب «القضاء والقدر» شأنه كشأن سائر الأشاعرة الذين وإن أقروا بالقضاء والقدر في الجملة موافقين في ذلك لأهل السنة ومخالفين لخصومهم المعتزلة ؛ وهم وإن وافقوا أهل السنة في مسألة «خلق أفعال العباد» ، إلا أنهم نفوا قدرة العبد على إحداث فعله حقيقة ، وأثبتوا له بالمقابل قدرة لا تأثير لها في إحداث الفعل البتّة وهذا ما يعبرون عنه بالكسب. ومن تجمّل فيهم وتحرّز قال : إن قدرة العبد لا تؤثر في وجود الفعل ، وإنما تؤثر في صفة من صفاته ، وتلك الصفة هي المسماة بالكسب (٢).
يقول البيهقيّ بعد ذكره لقوله تعالى : (فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ) وقوله : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى) وقوله : (أَأَنْتُمْ
__________________
(١) انظر : «البيهقي وموقفه من الإلهيات» لأحمد بن عطية بن علي الغامديّ.
(٢) انظر : المطالب العالية في العلم الإلهي للرازي (٩ / ٩ ، ١٠).