ربط الكون بعضه ببعض ، ونظم بعضه ببعض ، وواجد بعضه ببعض» (١).
«والذي عليه أهل السنة هو أنّ المقدور قدر بأسباب ، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور ، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور ، وهذا كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب ، وقدر الولد بالوطء ، وقدر حصول الزرع بالبذر ، وقدر خروج نفس الحيوان بذبحه ، وكذلك قدر دخول الجنّة بالأعمال ، ودخول النّار بالأعمال» (٢)
والقرآن والسنّة مملوءان بأنّه يخلق الأشياء بالأسباب لا كما يقول أتباع جهم من الأشاعرة وغيرهم أنّه يفعل عندهم لا بها ، كقوله تعالى : (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها) وقوله : (وَنَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ رِزْقاً لِلْعِبادِ وَأَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) وقوله : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) ، وأمثال هذا في القرآن يزيد على ألف موضوع ، والقرآن من أوله إلى آخره صريح في ترتب الجزاء بالخير والشر أو الأحكام الكونية والأمرية على الأسباب ، بل في ترتب أحكام الدنيا والآخرة ومصالحهما ومفاسدهما على الأسباب والأعمال» (٣). ومع ظهور تهافت هذا القول ـ (إنكار تأثير الأسباب في مسبباتها) إلّا أننا نجد البيهقيّ يصرّ على اقتفاء أثر أسلافه الأشاعرة بما أورده عن الخطابي في التعليق على حديث عليّ بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ كنّا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في جنازة .. الحديث (٤). ثم رام اختصار ذلك المعنى كلّه في جملة موجزة ، فعقب بقول سهل بن محمد الصعلوكي ـ أحد الأشاعرة ـ «أعمالنا أعلام الثواب والعقاب» (٥).
__________________
(١) «الرياض الناضرة» للشيخ ابن سعدي.
(٢) «الجواب الكافي» (ص ١٧).
(٣) «الجواب الكافي» (ص ١٧).
(٤) الحديث أخرجه البخاري في كتاب التفسير (٤٩٤٥) باب : وصدق بالحسنى.
(٥) التعليق على حديث رقم (٥٠) من هذا الكتاب.