لها تأثير أصلا في الفعل كان وجودها كعدمها ، ولم تكن قدرة ، بل كان اقترانها بالفعل كاقتران سائر صفات الفاعل في طوله وعرضه ولونه» (١).
ويقول في موضع آخر : «ولا يقول ـ أي الأشعري ـ أن العبد فاعل في الحقيقة بل كاسب ، ولم يذكروا بين الكسب والفعل فرقا معقولا ، بل حقيقة قول جهم أن العبد لا قدرة له ولا فعل ولا كسب» (٢).
وكان من نتائج تلك النظرة الخاطئة ـ من قبل البيهقيّ وسائر الأشاعرة ـ إلى القضاء والقدر ؛ أن أنكروا تأثير الأسباب في مسبباتها وقالوا : إنّما الأعمال أو الأسباب أعلام وأمارات يكون عندها المسبب أو الثواب والعقاب ، لا بها!!
«وهذا ـ عندهم ـ كما إذا رأيت غيما أسود باردا في زمن الشتاء ، فإن ذلك دليل وعلامة على أنه يمطر ، قالوا : وهكذا حكم الطاعات مع الثواب ، والكفر والمعاصي مع العقاب ، هي أمارات محضة لوقوع الثواب والعقاب لا أنّها أسباب له ، وهكذا عندهم الكسر مع الانكسار ، والحرق مع الاحتراق ، والإزهاق مع القتل ، ليس شيء من ذلك سببا البتة ، ولا ارتباط بينه وبين ما يترتب عليه ، إلّا مجرد الاقتران العادي ، لا التأثير السببي ، وخالفوا بذلك الحس والعقل ، والشرع والفطرة وسائر طوائف العقلاء ، بل أضحكوا عليهم العقلاء» (٣).
«ذلك أنّهم ظنّوا أن إثبات الأسباب ينافي الإيمان بالقضاء والقدر وكأنّهم يقولون إن الإيمان بالقدر هو اعتقاد وقوع الأشياء بدون أسبابها الشرعية والقدرية ، وهو نفي للوجود لها فإن الله
__________________
(١) «مجموع الفتاوى» (٢٨ / ٤٦٦ ، ٤٦٧).
(٢) «النبوات» (ص ١٦٦).
(٣) «الجواب الكافي» لابن قيم الجوزية (ص ١٥).