أرادوه ، وهذه حال من صدّه هواه أو رأيه الفاسد عن استماع كتب الله المنزلة واتباعها وقد أخبر أنّه لا يستطيع ذلك ، وهذه الاستطاعة هي المقارنة الموجبة له» (١) وهي الاستطاعة الكونية ومناط القضاء والقدر.
وبهذا يزول الاشتباه الذي أشكل على الأشاعرة وغيرهم في هذه المسألة ، علما أن كثيرا من فقهاء الأشاعرة أنفسهم يتناقضون ؛ «فإذا خاضوا مع من يقول من المتكلمين ـ المثبتين للقدر إن الاستطاعة لا تكون إلّا مع الفعل وافقوهم على ذلك ، وإذا خاضوا في الفقه أثبتوا الاستطاعة المتقدمة التي هي مناط الأمر والنهي» (٢).
وأمّا الفرقة الناجية والطائفة المنصورة أهل السنة والجماعة فيقولون :
«إنّ العباد فاعلون حقيقة. والله خالق أفعالهم والعبد هو المؤمن والكافر والبر والفاجر والمصلي والصائم وللعباد قدرة على أعمالهم ، ولهم إرادة والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم كما قال تعالى : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) (٣) (٤).
وهذا الكلام وإن كان في غاية الوضوح إلّا أنني أرغب في إثبات بعض النكت النافعة التي ذكرها شيخ الإسلام ـ ابن تيمية ـ رحمهالله تعالى ـ فيما يتعلق بالمسألة.
الأولى :
إذ كانت أفعال العباد مخلوقة لله ، وهي فعل لهم حقيقة ، فكيف نجمع بين الأمرين؟
يقول شيخ الإسلام ـ ابن تيميّة :
__________________
(١) «درء تعارض العقل والنقل» (١ / ٦١). وانظر «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٢٩ ـ ١٣١ ، ٢٩٠ ، ٢٩٢ ، ٣٧١ ، ٣٧٦ ، ٣٤١) و «منهاج السنّة» (١ / ٧ ـ ٨ ، ٣٦٩ ، ٣٧٣) و «مجموع الفتاوى» (١٠ / ٣٢) وشرح حديث أني حرمت الظلم ... مجموع الفتاوى (١٨ / ١٧٢ ـ ١٧٣).
(٢) «مجموع الفتاوى» (٨ / ١٣٠).
(٣) سورة التكوير ، الآية رقم (٢٨ ، ٢٩).
(٤) «العقيدة الواسطية» (ص ١٧٥).