أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) أي حاجزا قويا لا يصلون معه إلينا. فأجابهم ذو القرنين بما أخبر الله تعالى به في قوله : (قالَ ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي) من المال القوة والسلطان (خَيْرٌ) أي من جعلكم وخرجكم (فَأَعِينُونِي (١) بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ (٢) رَدْماً) أي أي سدا قويا وحاجزا مانعا (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ) أي قطع الحديد كل قطعة كالّلبنة المضروبة ، فجاءوا به إليه فأخذ يضع الحجارة وزبر الحديد ويبني حتى ارتفع البناء فساوى بين الصدفين جانبي الجبلين ، وقال لهم (انْفُخُوا) أي النار على الحديد (حَتَّى إِذا جَعَلَهُ ناراً) قال آتوني بالنحاس المذاب أفرغ عليه (٣) قطرا فأتوه به فأفرغ عليه من القطر ما جعله كأنه صفيحة واحدة من نحاس (فَمَا اسْطاعُوا) أي يأجوج ومأجوج (أَنْ يَظْهَرُوهُ) أي يعلوا فوقه ، (وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً) أي خرقا فلما نظر إليه وهو جبل شامخ وحصن حصين قال هذا من رحمة ربي أي من أثر رحمة ربي عليّ وعلى الناس وأردف قائلا (فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي) وهو خروج يأجوج ومأجوج عند قرب الساعة (جَعَلَهُ دَكَّاءَ) أي ترابا مساويا للأرض ، (وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) وهذا مما وعد به وانه كائن لا محالة قال تعالى : (وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ) أي مختلطين مضطربين إنسهم (٤) وجنهم (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ) نفخة البعث (فَجَمَعْناهُمْ) للحساب والجزاء (جَمْعاً وَعَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً) حقيقيا يشاهدونها فيه من قرب ، ثم ذكر ذنب الكافرين وعلة عرضهم على النار فقال : وقوله الحق : (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) أي أعين قلوبهم وهي البصائر فلذا هم لا ينظرون في آيات الله الكونية فيستدلون بها على وجود الله ووجوب عبادته وتوحيده فيها ، ولا في آيات الله القرآنية فيهتدون بها إلى أنه لا إله إلا الله ويعبدونه بما تضمنته الآيات القرآنية ، (وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً) للحق ولما يدعوا إليه رسل الله من الهدى والمعروف.
__________________
(١) القوة : الرجال والمال.
(٢) الردم أعظم من السدّ.
(٣) جائز أن يكون المراد بالقطر النحاس المذاب وهذا الظاهر ، وجائز أن يكون الحديد المذاب والثالث : أنه الصفر والرابع أنه الرصاص. روى أحمد عن النبي صلىاللهعليهوسلم ما خلاصته أنّ يأجوج ومأجوج يحفران يوميا السدّ حتى إذا كادوا يخرقونه يقولون غدا نتم حفره وإذا جاء الغد حفروا ولم يقولوا إن شاء الله حتى إذا جاء وعد الله قالوا : إن شاء الله ففتح لهم.
(٤) جائز أن يكون المراد بمن يموج بعضهم في بعض : يأجوج ومأجوج وجائز أن يكون الإنس والجن وذلك يوم القيامة.