معنى الآيات :
الآيات في سياق تقرير عقيدة البعث والجزاء يقول تعالى وقوله الحق : (وَيَقُولُ الْإِنْسانُ) أي المنكر للبعث والدار الآخرة وقد يكون القائل أبي بن خلف أو العاص بن وائل وقد يكون غيرهما إذ هذه قولة كل من لا يؤمن بالآخرة يقول : (أَإِذا ما مِتُّ لَسَوْفَ (١) أُخْرَجُ حَيًّا) يقول هذا استنكارا وتكذيبا قال تعالى : رادا على هذا الإنسان قولته الكافرة (أَوَلا يَذْكُرُ (٢) الْإِنْسانُ) أي المنكر للبعث الآخر (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ (٣) قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) أيكذب بالبعث وينكره ولا يذكر خلقنا له من قبل ، ولم يك شيئا.
أليس الذي قدر على خلقه قبل أن يكون شيئا قادرا على إعادة خلقه مرة أخرى أليست الإعادة أهون من الخلق الأول والإيجاد من العدم ، ثم يقسم الله تبارك وتعالى لرسوله على أنه معيدهم كما كانوا ويحشرهم جميعا مع شياطينهم الذين يضلونهم ثم يحضرنهم حول جهنم جثيا على ركبهم أذلاء صاغرين. هذا معنى قوله تعالى في الآية (٦٨) (فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ (٤) وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا).
وقوله تعالى : (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) يخبر تعالى بعد حشرهم إلى ساحة فصل القضاء أحياء مع الشياطين الذين كانوا يضلونهم ، يحضرهم حول جهنم جثيا ، ثم يأخذ تعالى من كل طائفة من تلك الطوائف التي أحضرت حول جهنم وهي جاثية تنتظر حكم الله تعالى فيها أيهم كان أشد على الرحمن عتيا أي تمردا عن طاعته وتكبرا عن الإيمان به وبرسوله ووعده ووعيده وهو معنى قوله تعالى في الآية (٦٩) (ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عِتِيًّا) وقوله تعالى : (ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ
__________________
(١) اللام في : (لَسَوْفَ) للتأكيد والاستفهام : (أَإِذا) : للإنكار ، واللام : لام الابتداء جاء بها المتكلم لتأكيد إنكاره للبعث بعد الموت والخروج من قبره حيّا.
(٢) الاستفهام للانكار على منكر البعث ، والتعجب من عقليته وعمى قلبه من عدم النظر في عدم أصل خلقه فإنه لو أبصر وزالت غفلته لما أنكر البعث فالذي خلقه اليوم يخلقه غدا ولا عجب.
(٣) قبل كبعد : ملازمة للاضافة فإذا حذف المضاف بنيت على الضم ، والمضاف المحذوف هنا تقديره : من قبل كونه شيئا يذكر في الوجود وقد أوجده الآن ويعدمه غدا ويحييه بعد موته يوم يريد ذلك.
(٤) الفاء : للتفريع ، والضمير في : (لَنَحْشُرَنَّهُمْ) عائد على جنس الإنسان المكذّب بالبعث الآخر ، والمشرك بالله المصر على ذلك ، وذكر حشر الشياطين معهم تحقيرا لشأنهم حيث يحشرون مع أخس الخلق وأحطه ثمّ أشار إلى أنّ شركهم وكفرهم كان بتزيين الشياطين لهم ذلك ، والجثي : جمع جاث مثل : قاعد وقعود ، فجثي : أصلها جثوي قلبت الواو ياء ، وأدغمت ، والجاثي هو البارك على ركبتيه عجزا عن القيام.