يوم القيامة إذا قرأ عليهم رسول الله أو أحد المؤمنين من أصحابه بعض الآيات من القرآن البينات في معانيها ودلائلها على التوحيد والنبوة والبعث (قالَ الَّذِينَ (١) كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا) ، وقولهم هذا هو رد فعل لا غير ، إذ أنهم لما يسمعون الآيات تحمل الوعد للمؤمنين والوعيد للكافرين مثلهم لا يجدون ما يخففون به ألم نفوسهم فيقولون هذا الذي أخبر تعالى به عنهم (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) أي فريق المؤمنين أو فريق الكافرين خير مقاما أي منزلا ومسكنا وأحسن نديا أي ناديا ومجتمعا يجتمع فيه ، لأنهم يقارنون بين منازل فقراء المؤمنين ودار الأرقم بن أبي الأرقم التي يجتمع فيها الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون وبين دور ومنازل أبي سفيان وأغنياء مكة ونادي قريش وهو مجلس شوراهم فرد تعالى عليهم بقوله : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً (٢) وَرِءْياً) أي لا ينبغي أن يغرهم هذا الذي يتبجحون به ويتطاولون فإنه لا يدوم لهم ماداموا يحاربون دعوة الحق والقائمين عليها فكم من أهل قرون أهلكناهم لما ظلموا وكانوا أحسن من هؤلاء مالا ومتاعا ومناظر حسنة جميلة.
وقوله تعالى : (قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا) أي اذكر لهم سنتنا في عبادنا يا رسولنا وهي أن من كان في ضلالة الشرك والظلم والمكابرة والعناد فإن سنة الرحمن فيه أن يمد له بمعنى يمهله ويملي له استدراجا حتى إذا انتهوا إلى ما حدد لهم من زمن يؤخذون فيه بالعذاب جزاء كفرهم وظلمهم وعنادهم وهو إما عذاب دنيوى بالقتل والأسر ونحوهما أو عذاب الآخرة بقيام الساعة حيث يحشرون إلى جهنم عميا وبكما وصما جزاء التعالي والتبجح بالكلام وهو معنى قوله تعالى : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ (٣) مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً) أي شر منزلة وأقل ناصرا أهم الكافرون أم المؤمنون ، ولكن حين لا ينفع العلم. إذ التدارك أصبح غير ممكن وإنما هي
__________________
(١) (الَّذِينَ كَفَرُوا) كالنضر بن الحارث وأبي جهل والمؤمنون هم أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم كعمار وبلال وصهيب.
(٢) الأثاث : متاع البيت من فرش وغيرها مما هو جديد ، فإن استعمل قيل فيه : الخرثى قال الشاعر :
تقادم العهد من أم الوليد بنا |
|
دهرا وصار أثاث البيت خرثيا |
الرئي : المنظر الحسن. وفيه قراءات خمس أشهرها قراءة الجمهور ورئيا بالهمزة ، وقراءة نافع ريّا بدون همزة واشتقاقه من الرؤية أي : المنظر ، ومن الريّ ضد العطش ، إذ الريّان هو المنعّم ذو الحال الحسنة.
(٣) في الآية ردّ على قولهم : (أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا). أي سوف تنكشف الحقائق في يوم القيامة ، ويعلمون يقينا من هو الأفضل حالا والأحسن مآلا.