معنى الآيات :
كأنّ المشركين قالوا شامتين إن محمدا سيموت ، وقالوا نتربص به ريب المنون فأخبر تعالى أنه لم يجعل لبشر من قبل نبيّه ولا من بعده الخلد حتى يخلد هو صلىاللهعليهوسلم فكل نفس زائقة الموت ، ولكن إن مات رسوله فهل المشركون يخلدون والجواب لا ، إذا فلا وجه للشماتة بالموت لو كانوا يعقلون. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٣٤) (وَما جَعَلْنا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ (١) الْخالِدُونَ) وقوله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (٢) أي كل نفس منفوسة ذائقة مرارة الموت بمفارقة الروح للبدن ، والحكمة في ذلك أن يتلقى العبد بعد الموت جزاء عمله خيرا كان أو شرا ، دل عليه قوله بعد : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ) من غنى وفقر ومرض وصحة وشدة ورخاء (فِتْنَةً) أي لأجل فتنتكم أي اختباركم ليرى الصابر الشاكر والجزع الكافر. وقوله تعالى : (وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ) أي بعد الموت للحساب والجزاء على كسبكم خيره وشره.
وقوله تعالى : (وَإِذا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُواً) يخبر تعالى رسوله بأن المشركين إذا رأوه ما يتخذونه إلا هزوا وذلك لجهلهم بمقامه وعدم معرفتهم فضله عليهم وهو حامل الهدى لهم ، وبين وجه استهزائهم به صلىاللهعليهوسلم بقوله : (أَهذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ) أي بعيبها وانتقاصها ، قال تعالى : (وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمنِ (٣) هُمْ كافِرُونَ) أي عجبا لهم يتألمون لذكر ألهتم بسوء وهي محط السوء فعلا ، ولا يتألمون لكفرهم بالرحمن ربهم سبحانه وتعالى حتى إنهم أنكروا أن يكون اسم الرحمن اسما لله تعالى وقالوا لا رحمن الا رحمن اليمامة.
وقوله تعالى : (خُلِقَ الْإِنْسانُ (٤) مِنْ عَجَلٍ) قال تعالى هذا لما استعجل المشركون
__________________
(١) الاستفهام مقدّر أي : أفهم الخالدون؟ وهو للنفي والإنكار كقول الشاعر :
رفوني وقالوا يا خويلد لا ترع |
|
فقلت وأنكرت الوجوه هم هم |
أي : أهم؟ ومعنى رفوني سكّنوني يقال رفاه إذا سكنه.
(٢) يروى أن الإمام الشافعي رحمهالله تعالى أنشد واستشهد بالبيتين الآتيين :
تمنى رجال أن أموت وإن أمت |
|
فتلك سبيل لست فيها بأوحد |
فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى |
|
تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد |
(٣) عجبا لجهلهم وسوء فهمهم يعيبون من جحد إلهية أصنامهم وهم يجحدون إلهية الرحمن إنّ هذا لغاية الجهل والغرور.
(٤) إنّ طبع الإنسان العجلة إنه يستعجل الأشياء وإن كان فيها مضرّته ، ولفظ الإنسان جائز أن يكون المراد به جنس الإنسان أو آدم عليهالسلام قال سعيد بن جبير لما دخل الروح في عين آدم نظر في ثمار الجنة ، فلما دخل جوفه اشتهى الطعام فوثب من قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة ، فذلك قوله : تعالى (خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ).