أي يا رب (أَنِّي (١) مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) دعاءه (فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْناهُ أَهْلَهُ) من زوجة وولد (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) أي ضاعف له ما أخذه منه بالابتلاء بعد الصبر وأما المال فقد ذكر النبي صلىاللهعليهوسلم أنه أنزل عليه رجلا من جراد من ذهب فكان أيوب يحثو في ثوبه حثيثا فقال له ربّه في ذلك فقال من ذا الذي يستغنى عن بركتك يا رب. وقوله تعالى : (رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا) أي رحمناه رحمة خاصة ، وجعلنا قصته ذكرى وموعظة للعابدين لنا لما نبتليهم بالسراء والضراء فيشكرون ويصبرون ائتساء بعبدنا أيوب (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (٢).
وقوله تعالى : (وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ) (٣) أي واذكر في عداد المصطفين من أهل الصبر والشكر اسماعيل بن ابراهيم الخليل ، وادريس وهو اخنوخ وذا الكفل (كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ) على عبادتنا الشاكرين لنعمائنا ، (وَأَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا) فنبأنا منهم من نبأنا وأنعمنا عليهم وأكرمناهم بجوارنا (إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ).
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ علو مقام الصبر ومثله الشكر فالاول على البأساء والثانى على النعماء.
٢ ـ فضيلة الدعاء وهو باب الاستجابة وطريقها من ألهمه ألهم الاستجابة.
٣ ـ في سير الصالحين مواعظ وفي قصص الماضيين عبر.
٤ ـ من ابتلى بفقد مال أو أهل أو ولد فصبر كان له من الله الخلف وما يقال عند المصيبة «إنا لله وإنا إليه لراجعون اللهم أجرني في مصيبتى واخلف لي خيرا منها».
__________________
(١) هل قول أيّوب : (رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ) يتنافى مع الصبر؟ والجواب : هذه المسألة ذكر القرطبي في تفسيره نحوا من ستة عشر قولا ، والصحيح أنّ هذا لا ينافي الصبر لأنه دعاء ، والدليل هو قوله تعالى : (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) ولم يكن شكوى لأنّ الاستجابة تأتي بعد الدعاء لا الاشتكاء ، قال الجنيد : عرّفه فاقة السؤال ليمنّ عليه بكرم النوال.
(٢) اختلف في مدة مرضه ، أصحّ ما قيل فيها أنها ثماني عشرة سنة وهذا مروي عن النبي صلىاللهعليهوسلم.
(٣) اختلف في ذي الكفل من هو؟ وأرجح الأقوال ما رواه أبو موسى رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : (إن ذا الكفل لم يكن نبيّا ولكنه كان عبدا صالحا فتكفل بعمل رجل صالح عند موته وكان يصلي لله كل يوم مائة صلاة فأحسن الله الثناء عليه).