معنى الآيات :
قوله تعالى (قالُوا لا ضَيْرَ) (١) هذا قول السحرة لفرعون بعد أن هددهم وتوعدهم (قالُوا لا ضَيْرَ) أي لا ضرر علينا بتقطيعك أيدينا وأرجلنا وتصليبك إيانا (إِنَّا إِلى (٢) رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) أي راجعون إن كل الذي تفعله معنا إنك تعجل برجوعنا إلى ربنا وذاك أحب شيء إلينا. وقالوا (إِنَّا نَطْمَعُ (٣) أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا) أي ذنوبنا (أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) في هذه البلاد برب العالمين رب موسى وهرون.
بعد هذا الانتصار العظيم الذي تم لموسى وهرون أوحى تعالى إلى موسى (أَنْ أَسْرِ (٤) بِعِبادِي) أي امش بهم ليلا (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) أي من قبل فرعون وجنوده. وعلم فرعون بعزم موسى على الخروج ببني إسرائيل فأرسل في المدائن (٥) وكانت له مآت المدن حاشرين من الرجال أي جامعين وكأنها تعبئة عامة. يقولون محرضين (إِنَ (٦) هؤُلاءِ) أي موسى وبني إسرائيل (لَشِرْذِمَةٌ) أي طائفة أفرادها قليلون (وَإِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ) أي (٧) لفاعلون ما يغيظنا ويغضبنا (وَإِنَّا) أي حكومة وشعبا (لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ) أي متيقظون مستعدون فهلم إلى ملاحقتهم وردهم إلى الطاعة. وعجل تعالى بالمسرة في هذا الخبر فقال تعالى (فَأَخْرَجْناهُمْ) أي آل فرعون (مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ) أي كنوز الذهب والفضة التي كانت مدفونة تحت التراب ، إذ الطمس كان على العملة فسدت وأما مخزون الذهب والفضة فما زال تحت الأرض ، إذ الكنز يطلق على المدفون تحت الأرض وإن كان شرعا هو الكنز ما لم تؤد زكاته سواء كان تحت الأرض أو فوقها.
وقوله تعالى (كَذلِكَ) أي إخراجنا لهم كان كذلك ، (وَأَوْرَثْناها) (٨) أي تلك النعم بنى إسرائيل أي بعد هلاك فرعون وجنوده أجمعين. وقوله تعالى (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ) أي فاتبع آل فرعون بنى إسرائيل أنفسهم في وقت شروق الشمس ليردوهم ويحولوا بينهم
__________________
(١) الضير : مرادف الضرّ يقال : ضاره يضيره بمعنى ضرّه يضره سواء.
(٢) الجملة تعليلية لنفيهم الضرر عليهم.
(٣) لفظ الطمع يطلق ويراد به الظنّ الضعيف غالبا ويراد به الظن القوي أيضا كقول إبراهيم عليهالسلام : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ).
(٤) قرأ نافع أن اسر بهمزة وصل إذ هو من سرى يسري وحركت النون لالتقاء الساكنين. وقرأ عاصم : (أَنْ أَسْرِ) بسكون أن وقطع همزة أسر لأنّه من أسرى ، وأسرى وسرى بمعنى واحد.
(٥) المدائن جمع مدينة وهي البلد العظيم.
(٦) الإشارة بهؤلاء فيه إيماء بتحقير شأن بني اسرائيل ، والشرذمة الطائفة القليلة العدد.
(٧) الغيظ : أشدّ الغضب ، وغائظون : اسم فاعل من : غاظه بمعنى أغاظه أي : أغضبه أشدّ الغضب.
(٨) يرى بعضهم أن الله أورث بني اسرائيل نعما نظير ما كان لفرعون وقومه بدليل آية الدخان : (وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) وبدليل أنّ بني إسرائيل ما رجعوا إلى مصر بعد خروجهم منها والله أعلم.