قال تعالى : (وَجاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ) أي مدينة سدوم وأهلها سكانها من اللوطيين ، وقوله (يَسْتَبْشِرُونَ) أي فرحين مسرورين لطمعهم في اتيان الفاحشة. فقال لهم لوط ما أخبر الله تعالى به : (قالَ إِنَّ هؤُلاءِ) يشير إلى الملائكة (ضَيْفِي فَلا تَفْضَحُونِ) أي فيه أي بطلبكم الفاحشة ، (وَاتَّقُوا اللهَ) أي خافوه (وَلا تُخْزُونِ) أي تهينوني وتذلوني. فأجابوا بما أخبر تعالى به عنهم : (قالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعالَمِينَ) أي أتقول ما تقول ولم تذكر أنا نهيناك عن استضافة أحد من الناس أو تجيره ، فأجابهم لوط عليهالسلام بما أخبر تعالى به عنه : (قالَ هؤُلاءِ بَناتِي إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) أي هؤلاء بناتي فتزوجوهن إن كنتم فاعلين ما آمركم به أو أرشدكم إليه. وقوله تعالى : (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ (١) لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي وحياتك يا رسولنا ، إنهم أي قوم لوط (لَفِي سَكْرَتِهِمْ) غوايتهم التي أذهبت عقولهم فهبطوا إلى درك أسفل من درك الحيوان ، (يَعْمَهُونَ) أي حيارى يترددون. (فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ) أي صيحة جبريل عليهالسلام مشرقين مع إشراق الشمس. وقوله تعالى (فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها) أي جعلنا عالي المدن سافلها وهو قلبها ظهرا على بطن ، (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ) فوق ذلك (حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ) أي من طين مطبوخ بالنار .. وقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) (٢) أي إن في ذلك المذكور من تدمير مدن كاملة بما فيها لآيات وعبر وعظات للمتوسمين أي الناظرين نظر تفكر وتأمل لمعرفة الأشياء بسماتها وعلاماتها. وقوله تعالى : (وَإِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) أي وإن تلك القرى الهالكة لبطريق ثابت باق يمر به أهل مكة فى أسفارهم إلى الشام. وقوله : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) أي لعبرة للمؤمنين فلا يقدمون على محارم الله ، ولا يرتكبون معاصيه. وقوله تعالى : (وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ). هذه إشارة خاطفة إلى قصة شعيب عليهالسلام مع قومه أصحاب الأيكة ، والأيكة الفيضة من الشجر الملتف .. وكانت منازلهم
__________________
(١) هذا الإقسام بحياة النبي صلىاللهعليهوسلم تشريفا له ، وأصل عمرك بضم العين وفتحت لكثرة الاستعمال ، وجائز أن يكون القسم بحياة لوط أيضا ، وليس لأحد أن يجيز القسم بغير الله محتجا بهذا القسم الإلهي فإنّ الله تعالى أن يقسم بما شاء من خلقه ، فقد أقسم بالشمس وضحاها ، وأقسم بالسماء والليل وغيرها من مخلوقاته ولا اعتراض عليه وأما العباد فقد أعلن الرسول صلىاللهعليهوسلم عن حرمة الحلف بغير الله فقد قال : (من حلف بغير الله فقد أشرك) رواه الترمذي.
(٢) روي أن النبي صلىاللهعليهوسلم فسر المتوسمين بالمتفرسين إذ قال : (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ثم قرأ : إنّ في ذلك لآيات للمتوسمين) رواه الترمذي واستغربه ، وقيل : للناظرين كما قال الشاعر :
أو كلما وردت عكاظ قبلية |
|
بعثوا إليّ عريفهم يتوسّم |
وأصل التوسم : النظر بتثبّت وتفكر وعليه فما ورد في التوسم من النظر والتفرس كله متقارب المعنى.