(وَكانُوا شِيَعاً) : أي طوائف وأحزابا كل فرقة فرحة بما هي عليه من حق وباطل.
معنى الآيات
لما قرر تعالى عقيدة التوحيد والبعث والجزاء بالأدلة وضمن ذلك عقيدة النبوة وإثباتها للنبيّ صلىاللهعليهوسلم أمر رسوله والمؤمنون تبع له فقال (فَأَقِمْ (١) وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) (٢) أي أنصبوا وجوهكم أيها الرسول والمؤمنون للدين الحق دين الإسلام القائم على مبدأ التوحيد والعمل الصالح ، فلا تلتفتوا إلى غيره من الأديان المنحرفة الباطلة. وقوله (فِطْرَتَ (٣) اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) أي أقيموا وجوهكم للدّين الحق الذي فطر الله الإنسان عليه تلك الفطرة التي هي خلق الإنسان قابلا للإيمان والتوحيد. وقوله : (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) أي لا تبدلوا تلك الخلقة ولا تغيروها بل نموها وابرزوها بالتربية حتى ينشأ الطفل على الإيمان والتوحيد. فالجملة خبرية لفظا إنشائية معنى نحو فهل أنتم منتهون فهي بمعنى انتهوا وهي أبلغ من انتهوا فكذا : لا تبديل أبلغ من لا تبدلوا. وقوله : (ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (٤) أي لزوم ما فطر عليه المرء من الإيمان بالله وتوحيده ... وابراز ذلك في الواقع بالإيمان بالله وبما أمر بالإيمان به من أركان الإيمان وبعبادة الله تعالى وهي طاعته بفعل ما يأمر به وينهى عنه مخلصا له ذلك لا يشاركه فيه غيره من سائر مخلوقاته هو الدين القيم الذي يجب أن يكون عليه الإنسان وقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٥) يخبر تعالى بأن ما قرره من الدين القيم كما بيّنه في الآيات أكثر الناس لا يعلمونه ولا يعرفونه وهو كما أخبر سبحانه
__________________
(١) (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) : هذه الفاء هي الفاء الفصيحة إذ هي مفصحة عن جواب سؤال مقدر تقديره هنا إذا علمت أحوال المعرضين عن الحق بعد ظهور دلائله فأقم وجهك والمراد من الأمر دوام إقامة الوجه والاستمرار عليه.
(٢) (حَنِيفاً) منصوب على الحال أي حال كونك معتدلا مائلا عن جميع الأديان المحرفة الباطلة إلى دين الله الحق الذي لم يبدل ولم يغير وهو الاسلام.
(٣) (فِطْرَتَ) : جائز أن يكون منصوبا على المفعولية المطلقة أي فطر الله تعالى الإنسان على ذلك فطرة ، وجائز أن يكون منصوبا على أنه مفعول به أي واتبع فطرة الله والتقدير : فأقم وجهك للدين حنيفا واتبع فطرة الله.
(٤) قيّم كهين ولين مفيد قوة الاتصاف بمصدره أي الدين البالغ قوة القيام أي الاستقامة والبعد عن الاعوجاج. يقال عود مستقيم وقيم من تشبيه المعقول بالمحسوس
(٥) في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه يقول الرسول صلىاللهعليهوسلم مقررا حقيقة أن الإسلام هو دين الفطرة : يقول ما من مولود يولد إلا على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟ ثم يقول فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم .. الجمعاء أي جامعة لاعضائها لا نقص فيها والجدعاء التي يجدع أي يقطع منها عضو كالذيل أو الأذن.