معنى الآيات :
قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ (١) جُنُودٌ) الآيات هذه قصة غزوة (٢) الخندق أو الأحزاب قصها تبارك وتعالى على المؤمنين في معرض التذكير بنعمه تعالى عليهم ليشكروا بالإنقياد والطاعة لله ورسوله وقبول كل ما يشرع لهم لإكمالهم وإسعادهم في الحياتين فقال تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي يا من آمنتم بالله ربا وإلها وبمحمد نبيا ورسولا وبالإسلام دينا وشرعا (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) المتمثلة في دفع أكبر خطر قد حاق بكم وهو اجتماع جيوش عدّة على غزوكم في عقر داركم وهم جيوش قريش وأسد وغطفان وبنو قريظة من اليهود ألّبهم عليهم وحزّب أحزابهم حيي بن أخطب النضري يريد الانتقام من الرسول والمؤمنين إذ أجلوهم عن المدينة وأخرجوهم منها فالتحقوا بيهود خيبر وتيما ، ولما بلغ النبي صلىاللهعليهوسلم خبرهم أمر (٣) بحفر الخندق تحت سفح جبل سلع غربي المدينة ، وذلك بإشارة سلمان الفارسي رضي الله عنه إذ كانت له خبرة حربيّة علمها من ديار قومه فارس.
وتم حفر الخندق في خلال شهر من الزمن وكان صلىاللهعليهوسلم يعطي لكل عشرة أنفار أربعين ذراعا أي عشرين مترا ، وما إن فرغوا من حفره حتى نزلت جيوش المشركين وكانوا قرابة اثنى عشر ألفا ولما رأوا الرسول والمسلمين وراء الخندق تحت جبل سلع قالوا هذه مكيدة لم تكن العرب تعرفها فتناوشوا بالنبال ورمى عمرو بن عبد ود القرشي بفرسه في الخندق فقتله علي رضي الله عنه ودام الحصار والمناوشة وكانت الأيام والليالي باردة والمجاعة ضاربة أطنابها قرابة الشهر. وتفصيل الأحداث للقصة فيما ذكره تعالى فيما يلي : فقوله تعالى (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) هي جنود المشركين من قريش ومن بني أسد وغطفان (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) لما (٤) جاءتكم جنود المشركين وحاصروكم في
__________________
(١) إذ ظرف للزمان الماضي متعلق (بنعمة) لما فيها من معنى الإنعام أي اذكروا ما أنعم الله به عليكم وقت مجيى جنود العدو إليكم لقتالكم فهزمهم الله جل جلاله بما شاء من وسائط.
(٢) اختلف في السنة التي كانت فيها غزوة الأحزاب فقال قوم كانت سنة خمس وقال آخرون كانت سنة أربع وكانت في شوال ، وسميت بغزوة الأحزاب لتحزب المشركين على قتال الرسول والمؤمنين فصاروا حزبا واحدا.
(٣) روى البخاري ومسلم عن البراء بن عازب قال لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله صلىاللهعليهوسلم رأيته ينقل من تراب الخندق حتى وارى عني الغبار جلده بطنه وكان كثير الشعر فرأيته يرتجز بكلمات ابن رواحه ويقول :
اللهم لو لا أنت ما اهدتينا |
|
ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا |
وثبت الأقدام إن لاقينا |
(٤) هي جنود الملائكة الذين كانوا يلقون الرعب في قلوب المشركين حتى تخاذلوا وقرروا العودة إلى بلادهم.