سفح سلع أرسلنا عليهم ريحا وهي ريح الصبا المباركة التي قال فيها رسول الله صلىاللهعليهوسلم نصرت بالصبا (١) وأهلكت عاد بالدبور وهي الريح الغربيّة. وفعلت بهم الصبا الأفاعيل حيث لم تبق لهم نارا إلا أطفأتها ولا قدرا على الأثافي إلا أراقته ، ولا خيمة ولا فسطاطا إلا أسقطته وأزالته حتى اضطروا إلى الرحيل وقوله (وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها) وهم الملائكة فأصابتهم بالفزع والرعب الأمر الذي أفقدهم كل رشدهم وصوابهم ورجعوا يجرون أذيال الخيبة والحمد لله وقوله تعالى (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) أي بكل أعمالكم من حفر الخندق والمشادات والمناورات وما قاله وعمله المنافقون لم يغب عليه تعالى شيء وسيجزيكم به المحسن بالإحسان والمسيىء بالإساءة.
وقوله تعالى : (إِذْ جاؤُكُمْ) أي المشركون (مِنْ فَوْقِكُمْ) أي من الشرق وهم غطفان بقيادة عيينة بن حصن وأسد ، (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) وهم قريش وكنانة أي من الجنوب الغربي وهذا تحديد لساحة المعركة ، وقوله (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) أي مالت عن كل شيء فلم تبق تنظر إلا إلى القوات الغازية من شدة الخوف ، (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) أي ارتفعت بارتفاع الرئتين فبلغت منتهى الحلقوم (٢). وقوله (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) المختلفة من نصر وهزيمة وسلامة وعطب ، وهذا تصوير للحال أبدع تصوير وهو كما ذكر تعالى حرفيّا.
وقوله تعالى (هُنالِكَ) أي في ذلك المكان والزمان الذي حدّق العدو بكم (ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) أي اختبرهم ربهم ليرى الثابت على إيمانه الذي لا تزعزعه الشدائد والفتن من السريع الانهزام والتحول لضعف عقيدته وقلة عزمه وصبره. وقوله تعالى (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) أي أزعجوا وحرّكوا حراكا شديدا لعوامل قوة العدو وكثرة جنوده ، وضعف المؤمنين وقلة عددهم ، وعامل المجاعة والحصار ، والبرد الشديد وما أظهره المنافقون من تخاذل وما كشفت عنه الحال من نقض بني قريظة عهدهم وانضمامهم إلى الأحزاب وقوله تعالى : (وَإِذْ يَقُولُ (٣) الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) أي النفاق لضعف إيمانهم
__________________
(١) قال عكرمة قالت الجنوب للشمال ليلة الأحزاب انطلقي لنصرة النبي صلىاللهعليهوسلم وقالت الشمال ان محوة لا تسري بالليل فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا وهي الريح الشرقية ، (محوة) من أسماء ريح الشمال لأنها تمحو السحاب.
(٢) وقيل هذا من باب المبالغة على إضمار كادت أي ارتفعت من أماكنها لشدة الخوف حتى كادت تبلغ الحناجر جمع حنجرة ، قال الشاعر :
إذا ما غضبنا غضبة مضرية |
|
هتكنا حجاب الشمس أو قطرت دما |
أي كادت تقطر ، والحنجرة والحنجور حرف الحلق أي طرفه.
(٣) من بين القائلين طعمة بن ابيرق ومعتب بن قشير وجماعة قالوا يوم الخندق كيف يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا يستطيع أحد منا أن يتبرز.