كان لمؤمن (١) ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة (٢) من أمرهم الآية فما كان منها الا أن قبلت عن رضى الزواج من زيد وتزوجها زيد وبحكم الطباع البشرية فان زينب لم تخف شرفها على زيد وأصبحت تترفع عليه الأمر الذي شعر معه زيد بعدم الفائدة من هذا الزواج فأخذ يستشير رسول الله مولاه ويستأذنه في طلاقها والرسول يأبى عليه ذلك علما منه أنه إذا طلقها سيزوجه الله بها إنهاء لقضية جعل أحكام الدّعى كأحكام الولد من الصّلب فكان يقول له : اتق الله يا زيد لا تطلق بغير ضرورة ولا حاجة الى الطلاق واصبر على ما تجده من أمرأتك ، وهنا عاتب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ربّه عزوجل إذ قال له : (وَإِذْ (٣) تَقُولُ) أي اذكر إذ تقول (لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) أي بنعمة الإسلام ، (وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ) بأن عتقته (أَمْسِكْ (٤) عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ ، وَتُخْفِي (٥) فِي نَفْسِكَ) وهو أمر زواجك منها ، (مَا اللهُ مُبْدِيهِ) أي مظهره لا محالة من ذلك (وَتَخْشَى (٦) النَّاسَ) أن يقولوا محمد تزوج امرأة ابنه زيد ، (وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ). وقد أراد منك الزواج من زينب بعد طلاقها وانقضاء عدتها هدما وقضاء على الأحكام التى جعلت الدّعى كابن الصّلب.
وقوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) أي حاجته منها بالزواج بها وطلقها (زَوَّجْناكَها) (٧) إذ تولينا عقد نكاحها منك دون حاجة الي وليّ ولا إلى شهود ولا إلى مهر أو صداق وذلك من أجل أن لا يكون على المؤمنين حرج أي إثم في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ، وقوله تعالى : (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) أي وما قضى به الله واقع لا محالة وقوله تعالى : (ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللهُ لَهُ) أي من إثم أو تضييق فى قول أو فعل شيء افترضه الله تعالى عليه وألزمه به سنة الله في الذين خلوا من قبل من الأنبياء ، وكان أمر الله أي مقضيه قدرا مقدورا أي واقعا نافذا لا محالة. وقوله : (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ) أي
__________________
(١) هذه الصيغة هي لنفي الحال والشأن فهي أبلغ من صيغ النهي أي أن مثل هذا القول والعمل مما لا يكون ولا ينبغي أن يكون نحو قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) وفي الآية دليل على أن الكفاءة تعتبر في الأديان لا في الأنساب بل هي نص في هذا.
(٢) الخيرة اسم مصدر من تخيّر ومثلها الطيرة من تطير ولم يسمع على هذا الوزن غيرهما ، ووقع لفظ مؤمن ومؤمنة نكرة في سياق النفي فأفادتا العموم.
(٣) روى الترمذي عن عائشة رضي الله عنها انها قالت : لو كان رسول الله كاتما شيئا من الوحي لكتم هذه الآية (وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ) الآية وكذا قالت في آية عبس وتولى وهو كما قالت رضي الله عنها وأرضاها.
(٤) جاء زيد إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : إن زينب تؤذيني بلسانها وتفعل وتفعل! واني أريد أن أطلقها فقال له : أمسك عليك زوجك واتق الله الآية.
(٥) إن قيل كيف يأمر زيدا بعدم طلاق زينب وهو يعلم أنه سيطلقها ويزوجه الله تعالى بها؟ الجواب لا حرج في هذا ألا ترى أن الله يأمر العبد بالإيمان والإسلام وهو يعلم انه لا يؤمن ، لأن الأمر لاقامة الحجة ومعرفة العاقبة.
(٦) ما كان يخشاه هو إرجاف المنافقين واليهود قولهم : أينهى عن نكاح زوجة الابن ويتزوج زوجة ابنه زيد.
(٧) روى أن زينب كانت تقول لرسول الله صلىاللهعليهوسلم اني لأدل عليك بثلاث! ما من نسائك امرأة تدل بهن : أن جدى وجدك واحد ، وأن الله انكحك اياي من السماء ، وأن السفير في ذلك جبريل.