اللهم صل على محمد وسلم تسليما. وقد بينت السنة أنواعا من صيغ الصلاة والسّلام على الرسول أعظمها أجرا الصلاة الإبراهيمية (١) وهي واجبة في التشهد الأخير من كل صلاة (٢) فريضة أو نافلة ، وتستحب استحبابا مؤكدا عند ذكره (٣) صلىاللهعليهوسلم وفي مواطن أخرى. هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٥٦) أما الآية الثانية (٥٧) فقد أخبر تعالى عباده أن الذين يؤذون الله بالكذب (٤) عليه أو انتقاصه بوصفه بالعجز أو نسبة الولد إليه أو الشريك وما إلى ذلك من تصوير الحيوان إذ الخلق اختص به الله فلا خالق الا هو فلا تجوز محاكاته في الخلق ، ويؤذون (٥) رسول الله صلىاللهعليهوسلم بسب أو شتم أو انتقاص أو تعرض له أو لآل بيته أو أمته أو سنته أو دينه هؤلاء لعنهم الله في الدنيا والآخرة أي طردهم من رحمته ، وأعد لهم أي هيأ واحضر لهم عذابا مهينا لهم يذوقونه بعد موتهم ويوم بعثهم يوم القيامة. هذا ما دلت عليه الآية الثالثة (٥٨) أما الآية الرابعة (٥٩) فإنه لما كان المؤمنات يخرجن بالليل لقضاء الحاجة البشرية إذ لم يكن لهم مراحيض في البيوت وكان بعض سفهاء المنافقين يتعرضون لهن بالغمز والكلمة السفيهة وهم يقصدون على عادتهم الإماء لا الحرائر فتأذى بذلك المؤمنات وشكون إلى أزواجهن ما يلقين من تعرض بعض المنافقين لهن فأنزل الله تعالى هذه الآية (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَبَناتِكَ (٦) وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) والجلباب هو الملاءة أو العباءة تكون فوق الدرع السابغ الطويل ، أي مرهنّ بأن يدنين من طرف الملاءة على الوجه حتى لا يبقى إلا عين واحدة ترى بها الطريق ، وبذلك يعرفن انهن حرائر عفيفات فلا يؤذيهنّ بالتعرض لهن أولئك المنافقون السفهاء عليهم لعائن الله. وقوله تعالى (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) أخبر عباده أنه تعالى كان وما زال غفورا لمن تاب من عباده رحيما به فلا يعذبه بعد توبته.
__________________
(١) صيغة الصلاة الإبراهيمية هي : اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على ابراهيم وعلى آل إبراهيم انك حميد مجيد.
(٢) غير ضار أن يقول المالكية الصلاة سنة مؤكدة في التشهد الأخير إذ السنة المؤكدة عند المالكية هي الواجب عند الشافعي وأحمد وإذا فلا فرق.
(٣) من هذه المواطن بدء الدعاء وختمه ، وافتتاح الخطبة بعد حمد الله والثناء عليه ويوم الجمعة وليلتها ورد في فضل الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم أحاديث منها ، حديث مسلم من صلى عليّ مرة صلّى الله بها عشرا وروى النسائى أن النبي صلىاللهعليهوسلم خرج عليهم يوما والبشر يرى في وجهه فقالوا إنا لنرى البشر في وجهك فقال : أتاني الملك فقال : «يا محمد إن ربك يقول أما برضيك أنه لا يصلي عليك أحد إلا صليت عليه عشرا».
(٤) روى البخاري في صحيحه قال قال الله تعالى : كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة يقول الله تبارك وتعالى يؤذيني ابن آدم يقول يا خيبة الدهر فلا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإن شئت قبضتهما.
(٥) من أفظع أنواع الأذى الذي تعرض له رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه كان يوما يصلي حول الكعبة فجاء عقبة بن أبي معيط بسلي جزور ووضعه على ظهره بين كتفيه الشريفتين فجاءت فاطمة وهي جويرية صغيرة فألقته بعيدا عن ظهر أبيها ونالت من المشركين وانصرفت فرضى الله عنها وارضاها.
(٦) تقدم ذكر أزواجه صلىاللهعليهوسلم وأما بناته ففاطمة الزهراء وزينب ورقية وأم كلثوم.