وقوله تعالى (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) فليطلبها من الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله فإن العزة لله جميعا فالعزيز من أعزه الله والذليل من أذله ، إنهم كانوا يطلبون العزة بالأصنام فاعلموا أن من يريد العزة فليطلبها من مالكها أما الذي لا يملك العزة فكيف يعطيها لغيره إن فاقد الشيء لا يعطيه. وقوله (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) أي إلى الله يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه الى الله تعالى فإذا كان قول بدون عمل فإنه لا يرفع الى الله تعالى ولا يثيب عليه ، وقد ندد الله تعالى بالذين يقولون ولا يعملون فقال (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ). وقوله (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئاتِ) أي يعملونها وهي الشرك والمعاصى (لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) هذا جزاؤهم ، (وَمَكْرُ أُولئِكَ هُوَ (١) يَبُورُ) أي ومكر الذين يعملون السيئات (هُوَ يَبُورُ) أي يفسد ويبطل.
وقوله تعالى (وَاللهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ) أي خلق أصلنا من تراب وهو آدم ، ثم خلقنا نحن ذريته من نطفة وهي ماء الرجل وماء المرأة ، (ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْواجاً) أي ذكرا وأنثى. هذه مظاهر القدرة الإلهية الموجبة لعبادته وتوحيده والمقتضية للبعث والجزاء ، وقوله (وَما تَحْمِلُ مِنْ (٢) أُنْثى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ) أي يزاد في عمره ، ولا ينقص من عمره فلا يزاد فيه إلا في كتاب وهو كتاب المقادير. هذا مظهر من مظاهر العلم ، وبالعلم والقدرة هو قادر على إحياء الموتى وبعث الناس للحساب والجزاء. ولذا قال تعالى (إِنَّ ذلِكَ) أي المذكور من الخلق والتدبير ووجوده في كتاب المقادير على الله يسير أي سهل لا صعوبة فيه.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ التحذير من اتباع الهوى والاستجابة للشيطان فان ذلك يؤدى بالعبد الى أن يصبح يرى الأعمال القبيحة حسنة ويومها يحرم هداية الله فلا يهتدى أبدا وهذا ينتج عن الإدمان على المعاصى والذنوب.
٢ ـ عملية إحياء الأرض بعد موتها دليل واضح على بعث الناس أحياء بعد موتهم.
__________________
(١) المكر : تدبير الحاق الضرر بالغير في خفية. والمراد هنا أن الذين يمكرون بالرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنين مكرهم يذهب سدى ولا يفلحون فيه كما أن الآية تشير إلى أن كل من يمكر مكر السوء فإن عاقبة مكره تعود عليه وبالا وخسرانا كقوله تعالى ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
(٢) فما يكون حمل ولا وضع أي ولادة إلا بعلمه ، فلا يخرج شيء عن تدبيره وحكمته وما يعمر سماه معمرا باعتبار ما هو صائر إليه وفي الحديث الصحيح : من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره أي أجله فليصل رحمه.