من تحت العرش فتحيا البشرية على طريقة الأرض الميتة ينزل عليها المطر فتحيا بالنبات. وهذه المرة تحيا بالبشر إذ يركب خلقهم من عظم يقال له عجب الذنب هو في بطن الأرض لا يتحلل ومنه يركب الخلق كما أخبر بذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الصحيح. هذا معنى قوله تعالى في الاستدلال على البعث (وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا) أي حبّ البر فمنه أي من ذلك يأكلون الخبز. وقوله (وَجَعَلْنا فِيها) أي في الأرض الميتة جنات أي بساتين من نخيل وأعناب ، وفجرنا فيها من العيون أي عيون الماء ، هذه مظاهر القدرة والعلم الإلهي وكلها تشهد بصحة البعث وإمكانه وأن الله تعالى قادر عليه وعلى مثله. وقوله تعالى (لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) أي من ثمر المذكور (١) من النخل والعنب وغيره. وقوله (وَما (٢) عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ) أي لم تخلقه ولم تكونه أيديهم بل يد الله هي التي خلقته أفلا يشكرون يوبخهم على عدم شكره تعالى على ما أنعم به عليهم من نعمة الغذاء. وقوله تعالى (سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ (٣) كُلَّها) أي تنزيها وتقديسا لله الذي خلق الأزواج كلها (مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) يقدس تعالى نفسه وينزهها عن العجز عن إعادة الخلق ويذكر بآيات القدرة والعلم وهي نظام الزوجية إذ كل المخلوقات أزواج أي أصناف من ذكر وأنثى فالنباتات على سائر اختلافها ذكر وأنثى والناس كذلك وما هو غائب عنا في السموات وفي بطن الأرض أزواج كذلك ولا وتر أي لا فرد إلا الله تعالى فقد تنزه عن صفات الخلائق ، ومنها كان للحياة الدنيا نوع آخر هو لها كالزوج وهي الحياة الآخرة فهذا دليل عقلي من أقوى الأدلة على الحياة الثانية.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير عقيدة البعث والجزاء التي هي القوة الدافعة للإنسان على فعل الخيرات وترك الشرور والمنكرات.
٢ ـ دليل نظام الزوجيّة وهو آية على أن القرآن وحي الله وكلامه إذ قرر القرآن نظام الزوجية قبل معرفة الناس لهذا النظام في الذرة وغيرها في القرن العشرين.
__________________
(١) الثمر بمنزلة الحب للسنبل وهو ما يغله النخل والعنب ، وقرأه الجمهور بفتحتين. وقرأه خلافهم بضمتين.
(٢) جائز أن يكون ما نافية أي ولم تعمله أيديهم وإنما الله جل جلاله هو الذي انبته وسخره لهم وجائز أن تكون ما موصولة أي والذي عملته أيديهم من أصناف الحلاوات والأطعمة وما يتخذونه كالخبز والجبن وما إلى ذلك وما في التفسير أرجح وأدل على نعم الله وقدرته وقرأ الجمهور ومما عملته بهاء الضمير وقرأ بعض عملت بدونه.
(٣) (الْأَزْواجَ) جمع زوج ويطلق على كل من الذكر والأنثى ، وعلى الأصناف المختلفة فإن أريد بالأزواج الذكر والأنثى فمن ابتدائية في المواقع الثلاثة وإن أريد بها الأصناف فمن بيانية في المواطن الثلاثة : ولقوله : ومما لا يعلمون مقابل محذوف تقديره وما يعلمون وهذا من دلالة الإشارة.