معنى الآيات :
قوله تعالى (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) (١) ردّ على المشركين الذين قالوا في القرآن شعر وفي الرسول شاعر فقال تعالى (وَما عَلَّمْناهُ) أي نبيّنا محمد صلىاللهعليهوسلم (الشِّعْرَ (٢) ، وَما يَنْبَغِي لَهُ) أي لا يصح منه ولا يصلح له. (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ) أي ما هو الذي يتلوه إلا ذكر يذكر به الله وعظة يتعظ به المؤمنون (وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) مبين للحق مظهر لمعالم الهدى أنزلناه على عبدنا ورسولنا لينذر به من كان حيا أي القلب والضمير لإيمانه وتقواه لله ويحق أي به القول وهو العذاب على الكافرين لأنهم لا يهتدون به فيعيشون على الضلال ويموتون عليه فيجب لهم العذاب في الدار الآخرة. وقوله (أَوَلَمْ يَرَوْا) أي أعمي أولئك المشركون ولم يروا مظاهر قدرتنا وإحساننا الموجبة لعبادتنا وهي (أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ (٣) أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ) يتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه ، والمراد بالأنعام الماشية من إبل وبقر وغنم وقوله (وَذَلَّلْناها لَهُمْ) أي سخرناها لهم بحيث يركبون ويحلبون ويحملون وينحرون ويذبحون ويأكلون ، ولو لا هذا التسخير لما قدروا عليها أبدا. وقوله (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ) المنافع كالصوف والوبر والشعر (وَمَشارِبُ) جمع مشرب وهي الألبان في ضروعها يحلبون منها ويشربون. وقوله (أَفَلا يَشْكُرُونَ) يوبخهم على أكل النعم وعدم الشكر عليها ، وشكر الله عليها هو الإيمان به وتوحيده في عبادته. وقوله (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً) أي اتخذ أولئك المشركون آلهة هي أصنامهم التي يعبدونها (لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ) أي رجاء نصرتها لهم وذلك بشفاعتها لهم عند الله تعالى كما يزعمون. قال تعالى في إبطال هذا الرجاء وقطعه عليهم (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) لأنهم أصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تنفع ولا تضر وقوله (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) أي والحال أن المشركين هم جند تلك الأصنام محضرون وعندها يدافعون عنها ويحمونها ويغضبون لها فكيف ينصرك من هو مفتقر إلى نصرتك. وقوله تعالى (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) (٤) أي لا تحزن لما يقول قومك من أنك لست مرسلا ، وأنك شاعر
__________________
(١) انه صلىاللهعليهوسلم مع أصالته في الأدب الرفيع وكيف وهو قرشي مضري لا يحسن إنشاد بيت من الشعر حتى إنه أنشد يوما بيت طرفة فقال :
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا |
|
ويأتيك من لم تزوده بالأخبار |
فقال أبو بكر والله إنك لرسول الله إذ عجز البيت هكذا ويأتيك بالأنباء من لم تزود.
(٢) (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) أي وما أوحينا إليه شعرا وما علمناه إياه.
(٣) (مِمَّا عَمِلَتْ) (ما) موصولة بمعنى الذي وحذف العائد وهو الضمير لطول الاسم أي عملته. وإن قلناه «ما» مصدرية فلا حاجة إلى مراعاة العائد ولا تقديره.
(٤) قرىء يحزنك بضم الياء من أحزنه يحزنه وقرىء (يَحْزُنْكَ) بفتح الياء وضم الزاي ، والنهي عن الحزن نهي عن أسبابه الموجبة له ، إذ الحزن لا يملك الإنسان دفعه ولكن يستطيع تجنب مثيراته والمراد من هذا النهي تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم عما يواجهه به المشركون من انه ساحرا أو شاعر وما إلى ذلك.