قرر الهجرة وترك البلاد ، وقال (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ) أي إني ذاهب إلى حيث أذن لي ربي بالهجرة إليه حيث أتمكن من عبادته فذهب إلى بلاد الشام ونزل أولا بحران من الشام ، وقوله سيهدين أي يثبتني بدوام هدايته لي. ودعا ربّه قائلا (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) أي ارزقني أولادا صالحين. فاستجاب الله تعالى له وذلك انه سافر في أرض القدس مع زوجته سارة وانتهى إلى مصر ، وحدث أن وهب طاغية مصر جارية لسارة تسمى هاجر فوهبتها سارة لزوجها ابراهيم فتسراها فولدت له غلاما هو اسماعيل وهو استجابة الله تعالى لابراهيم في دعائه عند هجرته (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) وهو قوله تعالى (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ). وقد أخذ سارة ما يأخذ النساء من الغيرة لما رأت جارية ابراهيم أنجبت له اسماعيل فأمر الله ابراهيم بأن يأخذها وطفلها إلى مكة إبعادا لها عن سارة ليقل تألمها. وهناك بمكة رأى ابراهيم رؤيته ورؤيا الأنبياء وحي وقال لاسماعيل ما أخبر تعالى به في قوله ، (فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) كابن سبع سنين (١) فأكثر بمعنى أصبح قادرا على العمل معه (قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ما ذا تَرى) أي استشاره ليرى رأيه في القبول أو الرفض فأجاب اسماعيل قائلا (يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) أي ما يأمرك به ربك (سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) وفعلا خرج به ابراهيم من حول البيت إلى منى (٢) وانتهى إلى مكان تجاوز به مكان الجمرات الثلاث وتله للجبين أي صرعه على جبينه بأن وضع جبينه على الأرض وأخذ المدية ووضعها على رقبته والتفت لأمر ما وإذا بكبش أملح والهاتف يقول اترك ذاك وخذ هذا فترك الولد وذبح الكبش وكانت آية. وهو قوله تعالى (وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) ، وقوله تعالى (وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ) أي الاختبار البيّن وبذلك تأهل للخلة وأصبح خليل الرحمن ، وقوله تعالى (وَفَدَيْناهُ) أي اسماعيل (بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) (٣) أي بكبش عظيم. وهو الذي
__________________
(١) روى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه بلغ الثالثة عشرة من عمره وفي هذا أقوال ولهذا في التفسير قلنا سبع سنين فأكثر إذ بداية السعي من السابعة والبلوغ ينتهي إلى الخامسة عشر.
(٢) قيل إن إبراهيم لما رأى الرؤيا كانت ليلة يوم التروية وهو ثامن الحجة فسمى اليوم يوم التروية إذ تروّى فيه ويوم التاسع عرف أن الرؤيا حق لذا سمّي يوم عرفة ويوم العاشر خرج بإسماعيل ليذبحه فسمي يوم النحر لذلك والله أعلم.
(٣) اختلف في أيهما الذبيح أهو اسماعيل أم إسحق والراجح انه اسماعيل لأن الذبح كان في مكة ولم يكن في الشام لأن إسماعيل عاش بمكة ولم يعش بالشام ولأن هاجر كانت في مكة وسارة كانت بالشام وبلغ الخلاف حتى قال بعضهم نفوض فكان التفويض مذهبا ثالثا والذي أثار هذا الخلاف هم أهل الكتاب يريدون سلب هذا الفضل عن النبي محمد صلىاللهعليهوسلم وفي الأبيات الآتية إشارة إلى ذلك :
إن الذبيح هديت إسماعيل |
|
نطق الكتاب بذاك والتنزيل |
شرف به خص الإله نبينا |
|
وأتى به التفسير والتأويل |
إن كنت أمته فلا تنكر له |
|
شرفا به قد خصه التفضيل |