وعفن الفساد والشر. وقوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ) (١) يتوعد الله تعالى بالعذاب أصحاب القلوب القاسية من سماع القرآن وهذه أسوأ حال العبد إذا كان يهلك بالدواء ويضل بالهدى فسماع القرآن الأصل فيه أن يلين القلوب الصالحة للحياة فإذا كانت القلوب ميتة غير قابلة للحياة سماع القرآن زادها موتا وقسوة ، ويدل على هذا قوله (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢) فهدايتهم متعذرة إذا كان الدواء يزيد في علتهم وآيات الهداية تزيد في ضلالتهم. وقوله تعالى (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) هذه الآية نزلت لما قال أصحاب الرسول يوما لرسول الله صلىاللهعليهوسلم حدثنا يا رسول الله فأنزل الله تعالى قوله (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) (٣) وهو القرآن (كِتاباً مُتَشابِهاً) أي يشبه بعضه بعضا في حسن اللفظ وصحة المعاني (مَثانِيَ) أي يثني فيه الوعد والوعيد والأمر والنهي والقصص ، (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) أي عند سماع آيات الوعيد فيه (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ) إذا سمعوا آيات الوعد وتطمئن (قُلُوبُهُمْ) إذا سمعوا حججه وأدلته وقوله (إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي القرآن وذكر الله بوعده ووعيده وأسمائه وصفاته ويشهد له قوله تعالى من سورة الرعد (أَلا بِذِكْرِ (٤) اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) وقوله تعالى (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ) أي ذلك المذكور وهو القرآن الكريم هدى الله إذ هو الذي انزله وجعله هاديا يهدي به من يشاء هدايته بمعنى يوفقه للإيمان والعمل به وترك الشرك والمعاصي. وقوله (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) لما سبق في علم الله ولوجود مانع منع من هدايته كالإصرار والعناد والتقليد. فهذا ليس له من هاد يهديه بعد الله أبدا.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ مظاهر العلم والقدرة الإلهية الموجبة للإيمان به وبرسوله ولقائه.
__________________
(١) من بمعنى عن لتضمين القساوة في الإعراض والنفور إذ يقال أعرض عن كذا ونفر عنه وذكر الله هنا القرآن كما في التفسير.
(٢) (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا إذ هو جواب لمن سأل عن قساوة قلوب المتوعدين بالويل فقيل له إنه ضلالهم الواضح المبين.
(٣) روي أن سعد بن أبي وقاص قال قال اصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما لو حدثتنا فأنزل الله : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) وهذا كما قالوا يوما لو قصصت علينا فنزل : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) ، وقولهم لو ذكرتنا فنزل : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِ) ، وفي هذا دليل على أنه لا يليق بأمة القرآن أن تلهو بالتمثيليات والروايات وأندية اللهو اللعب.
(٤) تقشعر أي تضطرب وتتحرك بالخوف مما فيه من الوعيد وتلين قلوبهم عند سماع آيات الرحمة وتطمئن إلى ذكر الله تعالى يروى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت أنا أعلم متى يستجاب لي ، وذلك إذا اقشعر جلدي ، ووجل قلبي وفاضت عيناي وهو مروي عن ثابت البناني وأم الدرداء أن الوجل في القلب كاحتراق السعفة.