(فَإِذا مَسَ (١) الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا) يعني ذاك الكافر الذي إذا ذكر الله وحده اشمأزّت نفسه وإذا ذكرت الأوثان سر وفرح واستبشر هذا الإنسان إذا مسّه ضر من مرض أو غيره مما يضر ولا يسر دعا ربّه منيبا إليه ولم يشرك معه في هذه الحال أحدا لعلمه أن الأوثان لا تكشف ضرا ولا تعطي خيرا ، وإذا خوله الله تعالى نعمة من فضله ابتلاء له قال إنّما أوتيت الذي أوتيت على علم من الله بأني أهل لذلك (٢) ، فأكذبه الله تعالى فقال (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ ، وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ) أي أكثر المشركين لا يعلمون أن الله تعالى إذا أعطاهم إنما أعطاهم ليفتنهم لا لحبه لهم ولا لرضا عنهم. والدليل على أن ذلك العطاء للمشركين فتنة لا غير أن قولتهم هذه (قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كقارون وغيره فلم يلبثوا حتى أخذهم الله بذنوبهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون من أموال طائلة ، قال تعالى : فأصابهم سيئات ما كسبوا فلم يؤخذوا بدون ذنب بل أخذوا بذنوبهم وهو قوله تعالى (فَأَصابَهُمْ (٣) سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) وقوله تعالى (وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) أي من كفار قريش سيصيبهم أيضا سيئات ما كسبوا من الشرك والعناد والظلم ، وما هم بمعجزين لله فائتينه أبدا وكيف وقد أصابهم قحط سبع سنين وقتلوا وأسروا في بدر والفتح.
وقوله تعالى (أَوَلَمْ (٤) يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي أقالوا مقالتهم تلك ولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء امتحانا له أيشكر أم يكفر ويقدر أي يضيق على من يشاء ابتلاء له أيصبر أم يضجر ويسخط فلم يكن بسطه الرزق حبا في المبسوط له ، ولا التضييق كرها للمضيق عليه ، وإنما البسط كالتضييق لحكمة التربية والتدبير ، ولكن الكافرين لا يعلمون هذا فجهلهم بالحكم جعلهم يقولون الباطل ويعتقدونه أما المؤمنون فلا يقولون مقالتهم لعلمهم ونور قلوبهم فلذا هم يجدون الآيات في مثل هذا التدبير واضحة دالة على علم الله وحكمته وقدرته فيزدادون إيمانا ونورا وبصيرة.
هداية الآيات :
١ ـ بيان تناقض أهل الكفر والجهل والضلال في كل حياتهم لأنهم يعيشون على ظلمة الجهل
__________________
(١) في هذه الآية بيان حقيقة وهي أن كفار قريش كانوا يؤمنون بالله ربا فهم أفضل من كفار البلاشفة الشيوعيين الذين لا يؤمنون بالله تعالى كما أن كفار قريش أحسن حالا من بعض جهال المسلمين اليوم إذ يخلصون الدعاء لله في الشدة وجهال المسلمين يشركون في الرخاء والشدة معا وذلك بدعائهم الأولياء والأموات والاستغاثة بهم في كل حال.
(٢) قال بعضهم على علم أي بوجوه الكسب وطرق تنمية المال وتكثيره حتى لا يحمد الله ولا يشكره ولا منافاة بين هذا وما في التفسير إذ بعضهم يقول هذا وبعض يقول ذاك.
(٣) أي جزاء سيئات كسبهم من الشرك والشر والفساد.
(٤) الاستفهام إنكاري ينكر تعالى عليهم انتفاء علمهم بذلك لأنهم تسببوا في انتفاء العلم فلذا تضمن الاستفهام توبيخا لهم.