(لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : أي لخلق السموات والأرض ابتداء ولأول مرة.
(أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) : أي أعظم من خلق الناس مرة أخرى بعد الأولى.
معنى الآيات :
قوله تعالى ولقد آتينا موسى (١) الهدى الآية شروع في تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم عما يلاقي من قومه فأعلمه تعالى أنه قد سبق أن أرسل موسى وآتاه الكتاب الذي هو التوراة وأورثه في بني إسرائيل (هُدىً) أي هاديا لهم في ظلمات الحياة إلى الحق والدين الصحيح الذي هو الإسلام (وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) أي يذكر به أولوا العقول ، ولاقى موسى من قومه أشد مما لاقيت إذا (فَاصْبِرْ) على ما تعانيه من قريش وأن العاقبة لك فإن وعد الله حق وقد قال إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد أي يوم القيامة.
وقوله : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ (٢) وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِ (٣) وَالْإِبْكارِ) أرشده إلى مقومات الصبر والموفرات له وهي ذكر الله تعالى بالاستغفار والدعاء والصلاة والتسبيح فيها وخارجها. فأعظم عون على الصبر الصلاة فلذا كان صلىاللهعليهوسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة وقوله (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ) أي حجة من علم إلهي أتاهم بطريق الوحي إن في صدورهم أي ما في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه أي لا يصلون إليه بحال وهو الرئاسة عليك والتحكم فيك وفي أصحابك. وعليه فاستعذ بالله (٤) من شرهم ومن مكرهم إنه تعالى هو السميع لأقوالهم البصير بأحوالهم وأعمالهم ، وسوف لا يمكن لهم منك أبدا لقدرته وعلمه وعجزهم وجهلهم.
وقوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ (٥) وَالْأَرْضِ) هذا رد على منكري البعث والجزاء الآخر فلما قالوا أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ... قال تعالى : وعزتنا وجلالنا لخلق السموات والأرض ابتداء من غير مثال سابق ولا مادة قائمة موجودة أكبر من خلق الناس مرة أخرى بعد خلقهم
__________________
(١) الهدى الذي أوتيه موسى هو ما أوحي إليه من الأمر بالدعوة إلى الدين الحق ، وما أنزل عليه من الشريعة والكتاب الذي هو التوراة.
(٢) ذكر القرطبي عدة أقوال للسلف في الذنب المطلوب من الرسول صلىاللهعليهوسلم الاستغفار منه قيل ذنبه صلىاللهعليهوسلم الذي كان قبل البعثة والعصمة ، وقيل ذنب أمته ، وقيل الصغائر ومخالفة الأول وقيل المراد هو تعبد الله رسوله بالدعاء إذ الاستغفار دعاء بطلب المغفرة وهو وجه وأوجه منه إرشاد الآية إلى الاستغفار.
(٣) هما صلاة الصبح وصلاة العصر ومعنى بحمد ربك أي بالشكر له والثناء عليه.
(٤) جملة إنه هو السميع العليم تعليلية ، ومفعول المستعاذ منه في قوله فاستعذ بالله محذوف لعرض التعميم في كل ما يخاف منه.
(٥) اللام في جواب قسم محذوف كما في التفسير ، وخلق السموات والأرض شامل لكل ما فيهما من مخلوقات وعقيدة البعث الآخر من جملة ما يجادل فيه الذين كفروا.