مكذبون غير مصدقين ، قال تعالى : (فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ) (١) أي لتكذيبهم فأهلكناهم فانظر يا رسولنا كيف كان عاقبتهم وهم المكذبون إنها دمار شامل وهلاك تام. وليذكر هذا قومك لعلهم يذكرون.
وقوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ (٢) وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) أي واذكر يا رسولنا لقومك قول إبراهيم الذى ينتسبون إليه باطلا لأبيه وقومه : (إِنَّنِي بَراءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ) أي إنى برىء من آلهتكم التى تعبدونها فلا أعبدها ولا اعترف بعبادتها. وقوله (إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي) أي لكن اعبد الله الذى خلقنى فهو أحق بعبادتى مما لم يخلقني ولم يخلق شيئا وهو مخلوق أيضا. وقوله (فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ) أي يرشدنى دائما إلى ما فيه سعادتى وكما لى. وقوله تعالى : (وَجَعَلَها كَلِمَةً باقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي وجعل براءته من الشرك والمشركين ، وعبادته خاصة بالله رب العالمين جعلها كلمة باقية فى ذريته حيث وصاهم بها كما جاء ذلك فى سورة البقرة إذ قال تعالى : (وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ) أي بأن لا يعبدوا إلا الله وهى إذا كلمة لا إله إلا الله ورثها إبراهيم فى بنيه لعلهم يرجعون إليها كلما غفلوا ونسوا وتركوا عبادة الله تعالى والإنابة إليه بعوامل الشر والفساد من شياطين الإنس والجن فيذكرون ويتوبون إلى الله تعالى فيوحدونه ويعبدونه فجزى الله إبراهيم عن المؤمنين خيرا. وقوله تعالى : (بَلْ مَتَّعْتُ (٣) هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ) أي بل لم يتحقق ما ترجاه إبراهيم كاملا إذا أشرك من بنيه من أشرك ومنهم هؤلاء المشركون المعاصرون لك أيها الرسول وآباءهم ، ومتعهم بالحياة حتى جاءهم الحق الذى هو هذا القرآن يتلوه هذا الرسول المبين أى الموضح لكل الأحكام والمبين لكل الشرائع. (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ قالُوا هذا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كافِرُونَ) هكذا قالت قريش لما جاءها الحق الذى هو القرآن الحامل للشرائع والأحكام والرسول المبين لذلك والموضح له قالوا هذا سحر يسحرنا به ، وإنا به أى بالقرآن والرسول كافرون أى جاحدون منكرون مكذبون وقالوا أبعد من ذلك فى الشطط والغلط وهو ما حكاه تعالى عنهم فى قوله : (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) أي هلّا نزل هذا القرآن على رجل شريف ذى مكانه مثل الوليد بن المغيرة (٤) في مكة أو عروة بن مسعود فى الطائف
__________________
(١) الفاء للتفريع وفي الآية تهديد ووعيد لكفار قريش بأن يحل بهم ما حل بالمكذبين قبلهم.
(٢) لما ادعى المشركون أنهم مقلدون آبائهم في الدين ذكر لهم ما ينبغي أن يقلدوه من آبائهم هو إبراهيم وإسماعيل وإلا فليس الأمر كما يدعون وإنما هم متبعون أهواءهم.
(٣) (بَلْ) للإضراب الإبطالي أي لم يحصل ما رجاه إبراهيم كاملا بل هناك من لم يرجع إلى التوحيد من ذرية ابراهيم إذ جاء عمرو بن لحيّ بالأصنام وعبدها آباء هؤلاء وهم لها عابدون حتى مجيء الحق ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم.
(٤) هذا المشهور من الأقوال في الرجلين ومنهم من قال هما عمير بن عبد يا ليل الثقفي من الطائف وعتبة بن ربيعة من مكة وهو قول مجاهد ، وقيل عظيم الطائف هو حبيب بن عمرو أما القريتان فلا خلاف في أنهما مكة والطائف لكونهما أكبر مدن تهامة.