(بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ وَآباءَهُمْ) : أي هؤلاء المشركين وآباءهم بالحياة فلم أعاجلهم بالعقوبة.
(حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ) : أي إلى أن جاء القرآن يحمل الدين الحق ، ورسول مبين لا شك فى رسالته وهو محمد صلىاللهعليهوسلم يبين لهم طريق الهدى والأحكام الشرعية.
(وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) : أي وقال هؤلاء المشركون الذين متعناهم بالحياة فلم نعاقبهم ، هلّا نزل هذا القرآن على أحد رجلين من قريتي مكة أو الطائف أي الوليد بن المغيرة بمكة أو عروة بن مسعود الثقفي فى الطائف.
(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ؟) : أي ينكر تعالى عليهم هذا التحكم والاقتراح الفاسد فقال أهم يقسمون رحمة ربك إذ النبوة رحمة من أعظم الرحمات. وليس لهم حق فى تنبئة أى أحد إذ هذا من حق الله وحده.
(نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) : أي إذا كنا نحن نقسم بينهم معيشتهم فنفني هذا ونفقر هذا ونملك هذا ونعزل هذا ، فكيف بالنبوة وهى أجل وأغلى من الطعام والشراب فنحن أحق بها منهم فننبىء من نشاء.
(لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) : أي جعلنا هذا غنيا وذاك فقيرا ليتخذ الغنى الفقير خادما يسخره فى خدمته بأجرة مقابل عمله.
(وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) : أي والجنة التى أعدها الله لك ولأتباعك خير من المال الذى يجمع هؤلاء المشركون الكافرون.
معنى الآيات :
لما ذكر تعالى قول المشركين لرسلهم : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) «ملة» (وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) ، قال مخبرا عن قول الرسول لأمته المكذبة المقلدة للآباء الظالمين (قالَ : أَوَلَوْ (١) جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ) أي اتتبعون آباءكم ولا تتبعوني ولو جئتكم بأهدى إلى الخير والسعادة مما وجدتم عليه آباءكم ، وهذا إنكار من الرسول عليهم فى صورة استفهام وهو (٢) توبيخ أيضا إذ العاقل يتبع الهدى جاء به من جاء قريبا كان أو بعيدا. وقوله تعالى (قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ (٣) بِهِ كافِرُونَ) هذا قول الأمم المكذبة المشركة لرسلهم أى كل أمة قالت هذا لرسولها : إنما بما أرسلتم به من التوحيد وعقيدة البعث والجزاء والشرع وأحكامه كافرون أي منكرون
__________________
(١) قرأ نافع والجمهور قل بصيغة الأمر وقرأ حفص (قالَ) بصيغة الماضي فيعود الضمير إلى (نَذِيرٍ) الذين قالوا (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا). الخ. وأما على قراءة نافع فهو أمر للرسول صلىاللهعليهوسلم ليقول للمشركين ما أمره أن يقوله لهم.
(٢) هذا الاستفهام تقريري إلا أنه مشوب بالإنكار والتوبيخ.
(٣) في قولهم هذا معنى التهكم برسلهم إذ أثبتوا لهم الرسالة وهم مكذبون بها كقول قريش مال هذا الرسول يأكل الطعام.