(أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) أي أنهم شركائي هذا سؤال تقريع وتأنيب والتقريع والتأنيب ضرب من العذاب الروحي الذي هو أشد من العذاب الجثماني. وقوله تعالى (قالَ الَّذِينَ (١) حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي نطق الرؤساء من أئمة الضلال وهم الذين حق عليهم العذاب في نار جهنم (رَبَّنا (٢) هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا) (أَغْوَيْناهُمْ) فغووا (كَما غَوَيْنا) (٣) أي ما أكرهناهم على الغواية ، (تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ) (٤) أي منهم. (ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ) أي بل كانوا يعبدون أهواءهم لا غير. وقوله : (وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) أي يقال للمشركين تهكما بهم واستهزاء ، (ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ) أي لينصروكم ويخلصوكم مما أنتم فيه من الذل والهوان.
قال تعالى : (فَدَعَوْهُمْ) بالفعل نادوا (فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ) إذا لا يقدر واحد من الإنس أو الجن أن يقول هذا كان يعبدني ، بل كل معبود يتبرأ ممن عبده كما قالوا في الآية قبل ذي تبرأنا إليك أي منهم ما كانوا يعبدوننا بل كانوا يعبدون أهواءهم وقوله تعالى : (وَرَأَوُا الْعَذابَ) بأعينهم فاشتدت حسرتهم وودوا لو أنهم كانوا في الدنيا من المهتدين. وقوله تعالى : (وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ) أي ربهم قائلا (ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ)؟ أخبرونا كيف كان موقفكم مع من أرسلنا إليكم؟ هل آمنتم بهم واتبعتموهم أم كذبتموهم وحاربتموهم قال تعالى : (فَعَمِيَتْ (٥) عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ) أي فخفيت عليهم الأخبار التى يمكنهم أن يحتجوا بها فلم يجدوا حجة واحدة ولذا (فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ) أي لا يسأل بعضهم بعضا لأنه سقط في أيديهم وعلموا أنهم صالو الجحيم لا محالة. وقوله تعالى : (فَأَمَّا مَنْ تابَ) (٦) من هؤلاء المشركين اليوم من الشرك وآمن بالله ولقائه ورسوله وعمل صالحا فأدى الفرائض والواجبات (فَعَسى أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ) أي الفائزين بالنجاة من النار ودخول الجنة ، فهذه دعوة سخية لكل مشرك وكافر وفاسق أن يتخلى عن الباطل المتلبس به ويؤمن الإيمان الصحيح ويعمل صالحا بأداء الفرائض فإنه ينجو من النار ويدخل الجنة دار الأبرار فهل من تائب؟!.
__________________
(١) لم تعطف جملة. (قالَ الَّذِينَ) بالواو أو بالفاء لأنها في صورة حوار.
(٢) هذا النداء المراد به الاستعطاف والاسترحام.
(٣) أي : أضللناهم كما كنا ضالين ، وذلك أنهم دعوهم إلى عبادتهم فعبدوهم ، ولذا قال قتادة : هؤلاء هم الشياطين ، وقيل : هم الرؤساء ، والكل صحيح.
(٤) (تَبَرَّأْنا) أي : تبرأ الشياطين والرؤساء ممن عبدوهم أو عبدوا غير الله بدعوتهم وتزيينهم ، وأنكروا أنهم كانوا يعبدونهم.
(٥) خفيت الأنباء على جميع المسؤولين فسكتوا كلهم إذا لم يروا جوابا ينفع في هذا الموقف الرهيب.
(٦) هذه الفاء الفصيحة كأنّ سائلا قال بعد أن عرف حال المشركين في النار : وما حال غيرهم يا ترى؟ فأجيب بأنّ من تاب من الشرك وعمل صالحا بأداء الفرائض ففلاحه العظيم واجب له متأكد.