معناه أولى بكم ، وذكر ذلك أيضا الأخفش (١) والزجّاج (٢) وعلي بن عيسى (٣) واستشهدوا ببيت لبيد ، لكن ذلك تساهل من هؤلاء الأئمة لا تحقيق ، لأنّ الأكابر مثل الخليل وأضرابه لم يذكروه ، والذاكرون له لم يذكروه إلّا في تفسير هذه الآية وآية اخرى مرسلا غير مسند ، ولم يذكروه في الكتب الأصلية من اللغة ، وليس كلّما يذكر في التفاسير كان ذلك لغة أصيلة ، ولذلك فإنّهم يفسّرون اليمين بالقوة في قوله تعالى : (وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) (٤) والقلب بالعقل في قوله تعالى : (لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) (٥) مع أنّ ذلك ليس لغة أصيلة.
وثانيهما : أنّ أصل تركيب «والى» (٦) يدلّ على الدنوّ والقرب ، يقال وليته إليه وليا أي دنوت منه دنوّا وأوليته إياه أي أدنيته منه ، وتباعدنا بعد ولي ، ومنه قوله : «كل ممّا يليك» ، وقولهم فلان أولى من فلان ، أفعل التفضيل من الوالي : فالأدنى والأقرب من الداني والقريب ، ففيه معنى القرب ، لأنّ الأحقّ بالشيء أقرب إليه والمولى اسم لموضع الولي كالمرقى والممشى (٧) لموضع الرقي والمشي.
وإذا عرفت ذلك فنقول : أنّ تفسير أبي عبيدة : (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) بأنّه أولى بكم فنقول إنّ ذلك ليس حقيقة لأنّ ذلك يقتضي أن يكون
__________________
(١) الأخفش على الاطلاق هو الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة المجاشعي تلميذ الخليل وسيبويه ، ومعنى الأخفش : صغير العينين مع ضيق النظر تشبيها بالخفاش.
(٢) إبراهيم بن محمد الزجّاج الأديب النحوي تلميذ المبرّد وثعلب توفّي في (٣١٠ ه).
(٣) علي بن عيسى بن عبد الله الرماني الواسطي النحوي والمعتزلي (٢٩٦ ـ ٣٨٤ ه).
(٤) الزمر : ٦٧.
(٥) ق : ٣٧.
(٦) كذا في النسختين ، ولعل الصحيح : ولي.
(٧) هنا في النسختين لفظة فموضع زائدة.