والهمم العلية ، والأخلاق المرضية ، والأعلاق الزكية ، ملجأ الأنام ، وواحد الليالي والأيام ، عزّ الدنيا والدين ، أبي المظفر عبد العزيز بن جعفر النيسابوري ـ أعزّ الله ببقائه الطائفة ، وحرس به الملّة ـ فألفيته من أخصّ الأولياء لأولاد سيد الأنبياء ، مع ما خصّه الله تعالى به من العلم ، وحباه من مزيد الفهم ، فهو للعلماء والد عطوف ، ولمعاناة أحوالهم برّ رءوف ، يتواضع لهم مع علوّ مرتبته ويرفع من خاملهم مع شرف منزلته ، فشملني بإنعامه ، وأحلّني محلّ إكرامه ، حتّى أنساني الأهل والبلد ، وأصدفني عن المال والولد ... أشار إليّ بإملاء مختصر في الإمامة ، انقّح فيه الأدلّة والبيّنات ، واقرّر فيه الأسئلة والجوابات ، فهممت أن أعتذر لمشقّة السفر وما يستلزمه من تشعّب الأذهان ، ومفارقة الأهل والأوطان ، ثمّ كرهت أن ينسب ذلك إلى تقصير منّي في خدمته ، وأداء بعض ما وجب عليّ من شكر نعمته» (١).
ولا يؤرّخ الكتاب بدءا ولا ختاما ، ويبدو لي من نفس هذه المقدّمة أنّه أوّل ما كتبه لأمير ناحيته البصرة ، وكأنّه طلب إليه كتابا آخر مثله في الكلام العام على منهج الإمامية ، فكتب له الكتاب الثاني «قواعد المرام في علم الكلام» وعلى العادة ضمّن مقدّمته وصف الأمير فقال :
«وبعد ... فلمّا كان ... وكنت ممّن وسم فيه (اصول الدين) بالتحصيل ، وإن لم أحصل منه إلّا القليل ، أشار إليّ من إشارته غنم وتلقّي أوامره العالية حتم ؛ وهو المولى المكرّم ، الملك المعظّم ، العالم العادل ، الفاضل الكامل ، الذي فاق ملوك الآفاق باستجماع مكارم الأخلاق ، وفاز في حلبة السباق أهل الفضائل بالإطلاق ، الذي ملأ الأسماع بأوصافه الجميلة ، وأفاض أوعية الأطماع بألطافه
__________________
(١) راجع ترجمته في مقدمة الكتاب ، الصفحة : ٢.