يضاف إلى هذا المظهر القرآني العام نصوص قرآنية خاصة (١) في هذا المعنى وردت في مواضع عديدة وبأساليب متنوعة إذا تمعن القارئ فيها ظهرت له هذه الصلة ظهورا جليا. وتزيد في إيضاح ذلك بالأمثلة التالية :
١ ـ في القرآن توكيدات بعدم جدوى الشفاعة والشفعاء عند الله إلا بإذنه ورضائه ، وتنديدات باعتذارات المشركين عن عبادتهم لشركائهم واتجاههم إليهم في الدعاء والتضرع بأنهم إنما يتخذونهم شفعاء ووسائل قربى إلى الله ، وقد كثرت في هذا الباب مما يدل على رسوخ هذا المفهوم في أذهان المشركين في بيئة النبي وعصره قبل البعثة.
٢ ـ إن آيات القرآن الواردة في طقوس الحج تفيد صراحة حينا وضمنا حينا آخر أنها كلها أو جلّها قد كانت ممارسة قبل البعثة النبوية فأقرت في الإسلام بعد تنقيتها من شوائب الشرك والوثنية ، مع أن فيها ما لا يمكن فهم حكمة إقراره الآن مثل الطواف حول الكعبة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار واستلام الحجر الأسود وتقبيله إلخ فهذه الآيات متصلة بتقاليد الحج العربية قبل الإسلام ورسوخها وأهدافها ، وفيها مظهر ما لوحدة العرب على اختلاف منازلهم ونحلهم حيث كانوا جميعهم يشتركون في الحج ومواسمه وتقاليده. وحرماته وأشهره الحرم ، وحكمة إقرارها في الإسلام منطوية في ذلك الرسوخ من جهة وما كان له من فائدة وأثر في الوحدة المذكورة التي كان القرآن يدعو إليها من جهة ثانية ولعل قصد تأنيس العرب بالدعوة الإسلامية مما ينطوي في تلك الحكمة أيضا.
٣ ـ ليس في القرآن المكي حملات عنيفة على اليهود الذين كان يسكن منهم
__________________
(١) اقرأ مثلا الآيات التالية : البقرة : [٨١ ـ ٨٥ و ١٠٧ ـ ١١٦ و ١٢٥ ـ ١٢٩ و ١٥٨ ـ ١٨٩ و ١٩٧ ـ ٢٠٣ و ٢١٩ ـ ٢٤٧ و ٢٧٥ ـ ٢٨٣] ، وآل عمران : [٥٩ ـ ٦٠ و ٧٧ ـ ٧٨ و ٩٣ ـ ٩٧] ، والنساء : [٢ ـ ١٢ و ١٩ ـ ٣٤ و ١٥٢ ـ ١٦١] ، والمائدة : [١ ـ ٥ و ١٢ ـ ١٩ و ٧٢ ـ ٨٠ و ٩٠ ـ ٩٧ و ١٠١ ـ ١٠٤] ، والأنفال : [٣١] ، والنحل : [٦٤] ، ولقمان : [٢١] ، والقصص : [٥١ ـ ٥٣] ، والشعراء : [١٩٢ ـ ١٩٧ و ٢١٠ ـ ٢١٢ ، ٢٢١ ـ ٢٢٣] ، ويوسف : [١١١] ، وفصلت : [٣].