ومن هذه البيانات تتجلى فائدة الملاحظة التي هي موضوع البحث الأصلي مهما بدت للبعض بديهية ، حيث تجعل الناظر في القرآن يندمج في جو لغته وأساليبه واصطلاحاته التي هي لغة عهد نزوله وأساليبه واصطلاحاته ولغة ظروف هذا العهد فينجلي له كثير من الأمور والمعاني على وجهها وحقيقتها ، ولا ينجرّ إلى معان ومدى ومفهومات وتزيدات وتكلّفات وتخمينات ومعميات لا تتحملها نصوص القرآن وأساليبه ودلالاته وظروف نزوله ومهمة من أنزل عليه.
ـ ٤ ـ
القرآن أسس ووسائل :
رابعا : إن محتويات القرآن نوعان متميزان وهما الأسس والوسائل ، وإن الجوهري فيه هو الأسس لأنها هي التي انطوت فيها أهداف التنزيل القرآني والرسالة النبوية من مبادئ وقواعد وشرائع وأحكام وتلقينات مثل وجوب وجود الله تعالى ووحدته وتنزهه عن كل شائبة وشريك وولد واتصافه بجميع صفات الكمال ومطلق التصرف في الكون واستحقاقه وحده العبادة والخضوع ونبذ كل ما سواه والقيام بالواجبات التعبدية له ، ومثل المبادئ والأمر والنواهي والتشريعات والأحكام والتلقينات الكفيلة بصلاح الإنسانية وطمأنينتها والتعاون الأخوي التام بينها أفرادا وجماعات وسلبية وإيجابية وأخلاقية واجتماعية وسياسية وحقوقية وسلوكية واقتصادية والنهي عن كل ما يناقض ذلك.
أما عدا ذلك مما احتواه القرآن من مواضيع مثل القصص والأمثال والوعد والوعيد والترهيب والترغيب والتنديد والجدل والحجاج والأخذ والرد والتذكير والبرهنة والإلزام ولفت النظر إلى نواميس الكون ومشاهد عظمة الله وقدرته ومخلوقاته الخفية والعلنية مثل الجن والإنس وإبليس والشيطان ومشاهد الرؤية فهي وسائل تدعيمية وتأييدية إلى تلك الأسس والأهداف وبسبيلها.
ومع أن جل هذه الوسائل ممّا له صلة ببيئة النبي وعصره من جهة والسيرة النبوية من جهة وبفهمها ، وأن منها ما يتصل بالأسس والمبادئ من بعض