القسمين القرآنيين ، بل ومن شأنه أن يحل ما يتوهمه الناظر في القرآن من إشكالات قرآنية في الأسلوب والمدى والتعبير أيضا.
وهو مستلهم بوجه خاص من بعض نصوص صريحة في القرآن ـ مع ملاحظة ما قد يكون لها من خصوصيات زمنية يأتي في مقدمتها وقد يكون أقواها مدى وأوضحها دلالة آية آل عمران السابعة هذه : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا ..).
وهذه الآية نزلت في سياق الردّ على وفد نصراني تناظر مع النبي عليهالسلام في أمر المسيح فسأله الوفد ألا يقول القرآن إن المسيح كلمة الله وروح منه قال بلى قال فهذا حسبنا. فنزلت الآية تندد بالوفد الذي ترك الأصل القرآني المحكم وهو أن الله واحد لا يصح أن يكون له ولد ولا شريك وجنح إلى التأويل الفاسد لبعض النصوص التي أنزلت بقصد التقريب والتمثيل.
وعلى خصوصية الآية من حيث المناسبة فإنها جاءت بأسلوب تقريري عام لتكون شاملة الحكم والمدى ، بحيث يصح أن يستلهم منها بقوة أن القرآن قسمان متميزان أحدهما محكم أساسي ثابت لا يحتمل تأويلا ولا تنوعا ولا وجوها افتراضية وتقريبية ، وثانيهما متشابهة بسبيل التقريب والتمثيل والإلزام والبرهنة ويحتمل التأويل والتنوع والوجوه الافتراضية.
ولسنا منفردين في هذا التخريج فقد سبق إليه كثير من أعلام العلماء والمفسرين على تنوع أقوالهم واختلاف مدى السعة والضيق فيها (١) وقد روي عن ابن عباس (٢) في صدد الآية أن المحكم هو ناسخ القرآن وحلاله وحرامه وحدوده
__________________
(١) «تفسير المنار» ج ٣.
(٢) «الإتقان» للسيوطي.