ففي القرآن آيات عديدة تدل على عقيدة العرب في الملائكة ووجودهم وأنهم موضع أمل ورجاء ومصدر برّ ورحمة. وقد ذكر القرآن أن العرب يعتقدون أنهم بنات الله وذوو حظوة لديه وأنهم اتخذوهم آلهة وشفعاء ليقربوهم إليه زلفى وقد قرر كذلك أنهم كرام بررة متصلون بالله ومختصون بخدماته لا يعصونه في ما يأمر ويقدسونه ويسبحون بحمده على الدوام. وهكذا يبدو أن ما قرره القرآن عن عقائد العرب فيهم متصل بما قرره عن صفاتهم وأعمالهم وصلتهم بالله مع سوء فهم العرب وباطل تأويلهم لهذه الصلة مما كان سبب الحملة عليهم والتنديد بهم في القرآن ولقد حكى القرآن تحدي العرب النبي باستنزال الملائكة ليؤيدوه في دعوته ما دام يقول إنها بوحي الله وهذا التحدي متصل بعقيدتهم فيهم وبتقرير القرآن عنهم كما هو واضح.
كذلك في القرآن آيات عديدة تدل على عقيدة العرب في الجن ووجودهم وأنهم مبعث خوف ومصدر أذى وشر ، وأنهم كانوا يعوذون بهم ويشركونهم مع الله في العبادة خوفا منهم وتزلفا إليهم وأنهم يختلطون في عقول الناس ، وقد قرر القرآن في صددهم أنهم ذوو أعمال خارقة ومصدر غواية وخبث ، وأن إبليس وجنوده والشياطين الذين ذكروا مرادفين لإبليس وجنوده أحيانا كثيرة هم منهم ، وأنهم يوسوسون في صدور الناس ، ويسترقون السمع من السماء ويلقون بأكاذيبهم إلى الأفاكين الكاذبين. وهكذا يبدو أن ما قرره القرآن عن عقائد العرب فيهم متصل بما قرره عن صفاتهم وأحوالهم كذلك (١).
وفي كتب التفسير بيانات كثيرة في صدد الملائكة والجنّ وإبليس وماهياتهم وأعمالهم جاءت في سياق ما ورد عنهم في القرآن سواء فيما له صلة بعقائد العرب أم بأعمالهم وأخبارهم وأقوالهم مسهبة حينا ومقتضبة حينا آخر ومعزوة إلى علماء ورواة معينين حينا وبدون تعيين حينا آخر. ومهما يكن من أمر هذه البيانات فإن من
__________________
(١) في كتاب «عصر النبي وبيئته قبل البعثة». بحثان مستفيضان عن عقائد العرب وتقريرات القرآن عن الملائكة والجن.