الإشارة إليها بشكل ما فإن مرد ذلك ـ على كونه من خصوصيات القرآن ـ إلى أن هذه الحياة من أقوى الدعائم الإنذارية والتبشيرية القرآنية لأهداف القرآن وأسس دعوته وأشدها تأثيرا وإثارة لأنها تمثل عالم ما بعد الموت الذي لا يكاد يخلو إنسان في أي دور من استشعار الرهبة منه من جهة ، ومن العقائد الإيمانية الإسلامية من جهة ، ولأنها كانت من المواضيع الرئيسية أو بالأحرى أهم موضوع دار حوله الجدل بشدة واستمرار بين النبي ومشركي العرب مما له صلة بظروف الدعوة النبوية من جهة.
ـ ٩ ـ
ذات الله في القرآن :
تاسعا : إن ما ورد في القرآن مما يتصل بذات الله السامية من تعابير اليد والقبضة واليمين والشمال والوجه والاستواء والنزول والمجيء وفوق وتحت وأمام وطي وقبض ونفخ ، إنما جاء بالأسلوب والتعابير والتسميات التي جاءت به من قبيل التقريب لأذهان السامعين الذين اعتادوا أن يفهموا منها معاني القوة والإحاطة والشمول والحضور والحركة الدائمة والصفات التي لا تتم هذه المعاني إلا بها.
ولقد ورد في القرآن عبارات (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى : ١١] و (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) [الأنعام : ١٠٣] و (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) [البقرة : ٢٥٥] يصح أن تكون ضوابط حاسمة في صدد الذات الإلهية ، وتنطوي على قرينة على صحة ما ذكرناه آنفا في مدى تلك التعابير. ولعل هذه الضوابط تشمل كل ما ورد في صدد الذات السامية من أسماء وأفعال وصفات أخرى قد توهم مماثلة لأسماء وصفات وأفعال البشر أيضا ، حيث يصح أن يقال إن ورودها في القرآن إنما جاء كذلك على سبيل التقريب والتشبيه. فالله سميع ولكن ليس كمثل سمعه شيء ، وبصير وليس كمثل بصره شيء ، ومتكلم وليس كمثل تكلمه شيء ، وهو حي وعليم ومريد وقوي وحكيم وصبور وقابض وباسط وليس كمثل حياته وعلمه وإرادته وقوته وحكمته وصبره وقبضه وبسطه شيء.