العقلاء يعدّونه معذورا لو لم يعمل بخبر الثقة ، معتذرا بأنّي رأيت رؤيا ظننت بصدق مظنونها فطرحت لأجله الخبر ، حاشاهم عن ذلك! بل الإنصاف أنّ خبر الفاسق الغير المتحرّز عن الكذب أيضا ليس لديهم في عرض سائر الظنون الاجتهادية ، بل يرونه حجّة معتبرة على تقدير تعذّر تحصيل العلم أو الرجوع إلى من هو أوثق منه ، بخلاف الظّن الحاصل من النوم والقياس وأشباهه.
ولعلّ هذا هو الذي ألجأ بعض الأعلام في الالتزام بأنّ نتيجة دليل الانسداد حجّية الظّن في الطريق دون الواقع ، حيث أنّه رأى أنّ الالتزام بجواز طرح ما بأيدينا من الأخبار ، والرجوع إلى سائر الظنون الاجتهادية مصاديق للضرورة ، ولم يقم لديه على اعتبارها دليل بالخصوص ، فظنّ أنّ منشأه أنّ دليل الانسداد لا يثبت إلّا حجّية الظّن في الطريق ، وتكلّف في توجيهه ، وغفل عن أنّ منشأه عدم كون الخبر لدى العقلاء كسائر الظنون المبنيّة على الحدس والتخمين ، وإلّا فلا يظن به الالتزام بحجّية ظنّ حصل له الظّن باعتباره من النوم ، ولو ظنّ باعتبار هذا الظّن أيضا من ظنّ حاصل من نوم آخر أو شيء آخر مثل النوم ، وهكذا ولو بعشرين درجة ، بل الذي أجده من نفسي أنّي لا أرى العمل بالظنّ المطلق أصلا ، إلّا إذا فرض عدم التمكّن من الوصول إلى الآثار المرويّة عن الأئمّة عليهمالسلام ، ولو في ضمن فتاوى الأعلام ، بمعنى أنّه لو تمكّن من الوصول إلى رسالة عملية من علمائنا الماضين المقتبسين فتاويهم من الأخبار المأثورة ، لا يجوز التخطّي عنها والرجوع إلى الظّن المطلق ، والله العالم.
قوله قدسسره : مرجع الإجماع قطعيّا أو ظنّيا ... الخ (١).
أقول : حاصل مرامه أنّ الرجوع إلى الاصول في المشكوكات فرع صيرورة
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ١٢٥ سطر ٢١ ،