أنّه لا تأمّل في عدم توقّف صحّة العبادة على صدق الإطاعة بهذا المعنى العرفي ، وامّا فتوى الأصحاب بالاستحباب مطلقا في مثل هذه الموارد ، فلما ثبت لديهم من رجحان الاحتياط ، والتورّع في الدين ، ومحبوبيّته لدى الشارع من حيث هو ، ولو لم يتحقّق به في الواقع التحرّز عن المفسدة المحتملة بشهادة العقل والنقل ، كما تقدّمت الإشارة إليه عند التعرّض لنقل أخبار الاحتياط ، فليتأمّل.
قوله قدسسره : ويرد ما قبله ما تقدّم في أوامر الاحتياط (١).
أقول : قد عرفت فيما تقدّم أنّ ما ذكره في التفصّي عن هذا الإشكال مبنيّ على حمل أوامر الاحتياط على الاستحباب الشرعي ، كما أشار إليه في ذيل عبارته المتقدّمة ، فكذلك الكلام في المقام ، فانّه لو قلنا بدلالة هذه الأخبار المستفيضة على استحباب ما ورد فيه خبر ضعيف ، أمكن التفصّي عن هذا الإشكال بما ذكر.
وامّا لو حملناها على الإرشاد ـ كما هو مقتضى اعترافه بورود الإيراد الأوّل ـ وأنّ هذه الأخبار لا تدلّ على الاستحباب الشرعي ، فهي غير مجدية في تصحيح قصد التقرّب ، ولا يتّجه على هذا التقدير التوجيه المتقدّم كما لا يخفى.
قوله قدسسره : ومن المعلوم أنّ العقل مستقل باستحقاق هذا العامل المدح والثّواب ... الخ (٢).
أقول : كونه كذلك لا ينافي استحبابه شرعا ، بل يؤكّده كسائر المستقلّات العقليّة ، فانّ استحقاق المدح والثواب من لوازم حسن العمل ، بل محبوبيّته شرعا ، فلا يكون إلّا واجبا أو مستحبّا ، كما يقتضيه قاعدة الملازمة ، ولا يقاس ذلك بمسألة الإطاعة حيث يدرك العقل حسنها ولا يستتبع طلبا شرعيّا ، فانّ المانع عن
__________________
(١) فرائد الأصول : ص ٢٣٠ سطر ١ ، ٢ / ١٥٥.
(٢) فرائد الأصول : ص ٢٣٠ سطر ٤ ، ٢ / ١٥٥.