وفيه : إنّ مراجعة الوجدان شاهدة بخلافه ، فضلا عن قيام البرهان على ذلك. وكيف لا ، مع أنّ العقليات لا بدّ إمّا أن تكون بنفسها ضرورية ، أو منتهية إليها ، كما صرّح به المصنّف فيما بعد ، ومعنى العجز عن التميّز ليس إلّا الجهل بالمناط الذي يقع وسطا في إثبات الأكبر للأصغر ، فكيف يعقل إدراك العقل للنتيجة وجهله بالمقدّمات!.
ودعوى كون الحكم في مثله بديهيّا لا يحتاج إلى وسط ، بديهيّ الفساد بعد الاعتراف بأنّ الجهات المكتنفة بها هي المحسّنة لها أو المقبّحة إيّاها ، فلا بدّ من أن يعلّل بها في إثبات الحكم.
إن قلت : إنّ ضرورة العقل قاضية بحسن الإطاعة وقبح المعصية ، ومع أنّ ماهية الإطاعة ـ وكذا المعصية ـ مشتبهة ، لوقوع الكلام في أنّ الإطاعة هل هي تحصيل غرض المولى مثلا أو امتثال أمره ، وكذا الإشكال في وجه وجوبها وإلزام العقل بها ، هل هو لأجل كونها شكرا للمنعم ، أو لأجل التفصّي عن العقاب إلى غير ذلك ممّا لا يحصى؟.
قلت : تسمية هذه الامور أحكاما عقلية بعناوينها الإجمالية ، اشتباه نشأ عن عد العلماء والعقلاء لها في المستقلّات العقلية ، ومن المعلوم أنّها لا تكون أحكاما عقلية إلّا لمن أدرك حسنها وقبحها ، وأنت إذا ألقيت عنان التقليد ، وفرضت نفسك ممّن لم يبلغه كون وجوب الإطاعة من المستقلّات العقلية ، وأردت معرفتها بنفسك ، فلا بدّ لك من أن تتعقّل الماهية التي تريد إثبات الحكم لها أوّلا ، ثمّ تمحض الجهات المكتنفة بها ، المؤثّرة في حسنها أو قبحها ، فإن أدرك العقل في شيء منها حسنا ملزما ، أو قبحا ملزما يلزمك على فعله أو التجنّب عنه ، وإن لم يدرك في شيء منها شيئا منهما لا يحكم بشيء ، بل يتوقّف عن الحكم ، ففي الإطاعة مثلا يلتفت أوّلا إلى أنّ تحصيل غرض المولى ـ بعد الاطّلاع عليه ـ هل هو لازم أم لا ، ثمّ يلتفت إلى